تضخم وارتفاع أسعار جنوني أم ركود اقتصادي ومخاوف من كساد كبير؟ يبدو أن العالَم أمام خيارات صعبة، فبعد المخاوف من الركود في زمن وباء كورونا واللجوء إلى إنعاش الاقتصاد والأسواق وتحريك أسعار الفائدة، انعكست الحالة وأصبح هناك ارتفاع أسعار جنوني، ومخاوف من تضخم غير مسبوق.
وهذا الوضع كان أشد خطورةً في الولايات المتحدة التي يقلقها التضخم، لذلك تسعى جاهدةً لكبح جماحه، فيتهمها البعضُ بتصدير أزمتها إلى العالم وخاصة الدول النامية. وحتى الآن لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق غايتها، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للمرة السادسة برفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، حيث وصل سعر الفائدة إلى 4%، في محاولة لإيقاف التضخم والحد منه.
لكن ذلك الرفع لن يؤثر فقط على الولايات المتحدة، وإنما على معظم دول العالم، فمن المعروف أن الاقتصادات العالمية ليست منعزلة، وما يحدث في الاقتصادات الكبرى تأثيره كحجار الدومينو، وكثير من الدول تواكب ما قام به الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتقوم برفع سعر الفائدة لكي تحافظ على عملتها من الانهيار، لكن ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى مخاطر الدخول في ركود اقتصادي.
ودول الخليج جزء فاعل ومهم من الاقتصاد العالمي، لكنها لن تتعرض لتأثير كبير، لأن معظمها تربط عملتها بالدولار الذي حقق قفزةً وازداد قوةً، وأي ارتفاع في قيمة الدولار يعني بالنسبة للدول التي لها سعر صرف ثابت للدولار زيادةً في قيمة عملتها، فيما سيدعم الإنتاج النفطي دولُنا ويحافظ على استقرار الأسواق، وبذلك سنكون في وضع اقتصادي متين. ولعل المشكلة الحقيقية ستلاحق الدولَ غير النفطية والاقتصادات الناشئة، حيث حذَّر البنك الدولي من انخفاض قيمة عملات تلك الدول مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، حيث إن معظم السلع مسعَّرة بالدولار ناهيك عن تأثير أزمة أوكرانيا، أضف إلى ذلك اختلال سلاسل التوريد العالمية.. وكل ذلك سيضع الدول النامية في مشاكل جمة.
ويبقى الحل لبعض الدول هو رفع سعر الفائدة، لكن ذلك قد يدخلها في ركود لن تكون قادرة على تحمله. أصل المشكلة يعود لفترة وباء كورونا، حيث لجأت الولايات المتحدة إلى تسهيل الاقتراض، وكانت فوائد بعض البنوك متدنية للغاية، وذلك تخوفاً من دخول البلاد في ركود كبير.
لكن مع نهاية فترة الوباء، وتجنباً للتضخم، لجأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، ولتقليل توفر الأموال مما يقلل الاستهلاك، وفي النهاية كبح جماح الأسعار. ومن المتوقع أن يستمر الفيدرالي في رفع سعر الفائدة حتى يصل بين الخمسة والستة في المائة، في ظل ارتفاع معدلات التوظيف، إذ باتت البطالة عند أقل معدلاتها، وهذا مؤشر على أن الأسواق ما تزال تعمل بكفاءة عالية، حيث يرى بعض المحللين أن الركود المعتدل أفضل من التضخم الذي وصل إلى 9% وتتوجب إعادته إلى 2%.
رفع سعر الفائدة يجعل الاقتراض أعلى تكلفةً، وهو ما سيطال الجميع ويجعل السلوك الاستهلاكي للأشخاص أقل وتيرة، مما يحد من الأسعار. لكن بالنسبة لمن يدخر أموالاً يفترض أن يحقق مكاسب مستقبلية، خاصة مَن يدخر في البنوك أو من خلال السندات وشهادات الإيداع.. فهؤلاء ربما يجنون ثماراً أكبر بسبب رفع سعر الفائدة، ولذا قد يتجه الكثيرون نحو شراء شهادات استثمارية تحقق نسبة ربح أكبر من المعتاد.