هل تحلم التنمية في بلدان كثيرة بما حققته كرة القدم منذ قرن. لها في كل الأرجاء مليارات الأصوات والأصداء، ما يجعلك تعيد النظر في المآثر والمفاخر.

الكاريكاتور: هل خطر على بال عاقل أن ينتحر جرّاء هزيمة مشروع اقتصادي يشجّعه؟ هل جُنّ جنون ابن أنثى فألقى بنفسه إلى التهلكة، من على سطح بناية، أو في بئر، لأن خطة زراعية يناصرها فشلت وذهبت ريحها؟ هل أقدم أحد على حلق شاربيه، اللذين يحط عليهما العصفور، حين خسر الرهان على أن المناهج العربية ستتطور حتماً؟ هل ذرف أحد دموعاً لأن النحو في مدارس العرب، لا يزال كأننا معاصرون لسيبويه والكسائي؟ ما علاقتنا نحن بنطاحات البصريين والكوفيين في النحو والصرف؟

يقول القلم: علماء اللغة جعلوا النحو والصرف كرة قدم في الكوفة والبصرة، فلماذا سجّلوا الأهداف في مرامي العرب مشرقاً ومغرباً؟

دعنا من هذا. في بلاد العالم الثالث المتعثرة، ترى كرة القدم كأنما رضعت العلوم الإدارية في الحليب: التنظيم المؤسسي المحكم في تشكيل الفرق، توفير الميزانية وتدبيرها، التدريب حسب الأصول وأحدث الأساليب، اكتشاف المواهب والسعي إلى ضم الكفاءات المحلّية، فإذا لم يجدوها، جلبوها من الخارج إلخ. خذ الأمور بعقل: هل تقدر على تصوّر المراحل التي يقطعها المنتخب الوطني ليكون منتخباً وطنيّاً؟ تخيّل أن تكون حكومات البلدان المتخلفة هي الخلاصة، الزبدة، المحور والجوهر لكل الطاقات والكفاءات. تماماً مثل التصفيات في كأس العالم. كرة القدم تعطينا صورة عقلانية علمية محسوبة، هي صفوة الصفوة ونخبة النخبة وخيرة الخيرة وأجود الجيّد وأفضل الأفضل.

الطريف أن كرة القدم تعطينا مثالاً عجيباً، يجمع بين الرأسمالية والاشتراكية. هي من حيث الرأسمالية تسعى إلى تحقيق الهدف من خلال انتقاء الأفضل، ولكنها اشتراكية في الصميم من خلال الوصول إلى الغاية والمرمى عن طريق تسخير كل الطاقات معاً، أي عمل الفريق. ما يعني أن التنمية المتألقة المتفوقة، هي الجمع بين الطرفين، التفرد والمشاركة في العمل الجماعي. ما الذي يحول دون الاقتداء بالنوادي والمنتخبات في التنمية، باستنساخ أساليبها التنظيمية وجاذبيتها وقدرتها على حشد الجماهير؟
لزوم ما يلزم: النتيجة النهائية: يحق لأفضل لاعب عالميّاً أن يصدح ببيت المتنبي «ليعلمِ الجمع ممّن ضمّ مجلسنا.. بأنني خير من (تعدو) به قدمُ».