أظن جازماً، أن خبر إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية يتمناه الكثيرون ممن يعيشون على هذا الكوكب الذي تحول فجأة، منذ 24 فبراير 2022، بعد إعلان روسيا عن إطلاق عمليتها الخاصة في أوكرانيا، إلى حالة من الشد والجذب الدولي المتصاعد، وصل إلى حد التهديد باحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة.

لتحقيق هذه الأمنية، فإننا بحاجة إلى قرارين يتصفان بالشجاعة السياسية والعقلانية، التي عادة ما تظهر في الأوقات الحرجة وتكون غير متوقعة. القرار الأول: اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطأ تقدير مستشاريه الاستراتيجيين عندما أشاروا له بسهولة «المهمة الخاصة» والتي لن تحتاج منهم أكثر من ثلاثة أسابيع لتنفيذها، ولكنها اليوم تبدو أنها أصبحت «المهمة المستحيلة» خاصة بعد أن تحولت «المهمة الخاصة» في البيان الختامي لقمة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، التي انعقدت أخيراً، إلى «حرب» باتفاق الجميع بما فيهم حليف بوتين الرئيس الصيني شي جي بينج.

أما القرار الثاني: أن يقتنع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن مسألة استمرارية الدعم الغربي له لن تدوم طويلاً حتى لو كانت الترسانة الغربية مليئة بالأسلحة. ففي العرف السياسي «لا عدو دائم ولا صديق دائم، وإنما هناك مصالح». والتقديرات السياسية تشير إلى أن دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، باتت تميل إلى التهدئة لحالة العالم. أما التقديرات الاقتصادية، فالكل يعاني من أزمات متنوعة وإن كان على رأسها الطاقة والغاز والغذاء، وأن الأمر لا يمكن احتماله، وثبات مواقف دول العالم لن تزيد من الآن أكثر من ثلاثة أشهر، حيث البرد الأوروبي بدأ بالتشكل.

بالعودة إلى الأيام الأولى من الأزمة الروسية - الأوكرانية لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أن الأمور ستسير على المستوى الدولي نحو التفاهم بين البلدين. ولا إلى موافقة الدول الداعمة لأوكرانيا بسبب السياق الجيوسياسي الدولي الذي وصل إليه العالم، وخاصة بعد إصرار رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي على استفزاز الصين بزيارتها لتايوان. فالتصعيد السياسي والعسكري كان هو سيد الموقف، بل إن الصاروخ الذي سقط على بولندا في اليوم الأخير من قمة العشرين كانت بمثابة الإعلان عن الحرب العالمية الثالثة. ولكن تأكيداً على الرغبة الدولية نحو الجنوح إلى التفاهم والتهدئة، جاءت التصريحات من الولايات المتحدة وروسيا بأن الصاروخ هو عبارة عن «نيران صديقة» أي من أوكرانيا، التي ربما لم يعجبها التوجه الدولي الجديد.

بات من الواضح أننا سنشهد مزيداً من الحوار والتفاوض خلال الفترة المقبلة بين روسيا وأوكرانيا حتى في ظل تبادل النيران، وهو ما يؤكد أن التواصل بين السياسيين حتى في أوقات الأزمات مفيد لتجنب التعقيدات والذهاب بعيداً. هذا ما كانت تركز عليه الدبلوماسية الإماراتية منذ بداية الأزمة، ليس فقط من خلال عدم الانحياز لأي طرف في الأزمة، وإنما من خلال تحركات «دبلوماسية القمة» لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، سواء في تلك الزيارة التاريخية إلى موسكو ومقابلته للرئيس بوتين، أو من خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه سموه مع الرئيس الأوكراني بعد يومين من زيارته لموسكو.إن حال العالم قبل قمة العشرين ليس كما بعده، فالرئيس الصيني والرئيس الأمريكي كل «امتص» غضب الآخر وتنفس العالم الصعداء، بل إن الولايات المتحدة، حليف أوكرانيا، سجلت نقطة استراتيجية ضد بوتين الذي فضل الغياب عن القمة وانسحب وزير خارجيته قبل البيان الختامي، الذي حمّل روسيا كل تبعات الحرب، كما أن الصين التي توقع الجميع أن تفعل مع تايوان ما فعله بوتين مع أوكرانيا، جعلتها براغماتيتها تكسب الموقف مع خصمها، وانتقلت من خانة العدو الأول لواشنطن إلى الوقوف معها ولو ضمنياً ضد روسيا.