«لن نتوقف عن مساعينا للاستقلال عن بريطانيا»

نيكولا ستيرجن، الوزيرة الأولى في اسكتلندا

حسنا، فشلت مساعي نيكولا ستيرجن زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي، في الحصول على حكم المحكمة البريطانية العليا، لإجراء استفتاء في الإقليم البريطاني الشمالي، يهدف إلى فصله نهائيا عن بر المملكة المتحدة. المحكمة قالت، إن مثل هذا الاستفتاء، لا بد أن يحظى بموافقة البرلمان البريطاني، وليس برلمان اسكتلندا، الذي يسيطر عليه القوميون الاسكتلنديون بصورة شبه كاملة. هذه المحاولة الجديدة من جانب ستيرجن، لن تكون الأخيرة، طالما أنها تعتقد أن الحجة لهذا الاستفتاء حاضرة، وترتبط مباشرة بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي "بريكست"، في حين صوت الاسكتلنديون بأغلبية كبيرة على بقاء إقليمهم ضمن الكتلة الأوروبية، ما يعد في نظرهم تفويضا واضحا من أجل الخروج من تحت التاج البريطاني.
يأتي قرار المحكمة العليا في لندن مؤيدا بالطبع لموقف الحكومة البريطانية بقيادة ريشي سوناك، الذي يرى "كغيره من رؤساء الوزراء السابقين"، أنه لا يمكن انفصال اسكتلندا بأي ثمن، حتى أن حزب المعارضة الرئيس "العمال" يتخذ الموقف نفسه، من زاوية مفهومة، وهي أنه لا يريد أن يظهر أمام الناخب أنه حزب يدعم تفكك المملكة المتحدة، خصوصا في ظل أزمات تاريخية لن تنتهي بشأن إقليم أيرلندا الشمالية، الذي تحول بعد "بريكست" مثل "مسمار جحا" بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. فلندن وافقت على أن تكون هناك حدود بين البر البريطاني والإقليم الأيرلندي، لضمان استمرارية اتفاق السلام الذي وقع قبل 25 عاما، وأنهى صراعا دمويا دام نحو قرن من الزمن، فضلا عن المآسي الفظيعة في العقود الثلاثة التي سبقت هذا الاتفاق المدعوم أمريكيا ودوليا بالطبع.
لنترك أيرلندا جانبا الآن، التفاعل الراهن على الصعيدين السياسي والإجرائي يتعاظم من الجهة الاسكتلندية، خصوصا أن الحزب القومي الاسكتلندي تمكن من السيطرة الكاملة على برلمان الإقليم، ما يوفر للانفصاليين قوة دعم كبيرة وضرورية لمواصلة "النضال" من أجل تحقيق هذا الانفصال عبر استفتاء جديد. فالاستفتاء الذي أكد الاسكتلنديون فيه تأييدهم للبقاء ضمن حدود المملكة المتحدة، والذي أجري عام 2014، لم يعد من وجهة نظر هؤلاء مناسبا في ظل التحولات الراهنة على الساحتين الأوروبية والبريطانية. من هنا، لا تزال الوزيرة الأولى في إدنبره قادرة على الاستمرار في طلب استفتاء جديد، من زاوية لا يمكن للحكومة البريطانية دحضها، وهي أن تدخل الانتخابات البريطانية العامة القادمة التي ستجري في غضون أقل من عامين، ببرنامج انتخابي من سؤال واحد، وهو: هل تؤيد إجراء استفتاء للانفصال عن بريطانيا؟
إذا أتت النتيجة إيجابية بالنسبة إلى الحزب القومي الاسكتلندي "ومن المتوقع أن تأتي بالفعل"، فهذا يعد بحد ذاته تفويضا للضغط على الحكومة المركزية في لندن للسماح بإجراء استفتاء يحسم مصير اسكتلندا البريطاني أو الأوروبي. أما لماذا الأوروبي؟ فلأن الاسكتلنديين صوتوا لمصلحة البقاء تحت التاج البريطاني في عام 2014، عندما كانت المملكة المتحدة عضوا في الاتحاد الأوروبي. أي أن المعايير تغيرت بخروجها من الكتلة الأوروبية، ولا سيما مع تصويت الاسكتلنديين أنفسهم لمصلحة البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016. إنها حجة قوية بالفعل، فيما لو تم التعاطي معها بصورة مجردة. فالاستفتاءات تجري بسبب تغير الظروف وفي ظل تحولات لا يمكن تجاهلها، أضف إلى ذلك أن أغلبية سكان الإقليم البريطاني الشمالي، ترى أن مصير بلادها الأوروبي يتقدم عن مصيرها البريطاني، لأسباب تتعلق بالمنافع التي جناها الإقليم من الجانب الأوروبي.
قرار المحكمة البريطانية العليا لا شك في أنه أساسي وكابح بشكل ما للحراك الاستقلالي في هذا الإقليم. فالاستفتاء الذي يسعى إليه الانفصاليون لا بد من أن توافق عليه الحكومة في لندن، ولا يوجد سند قانوني لتجاوز هذه الحكومة التي ستدافع عن اتحاد المملكة بكل "سلاح" سياسي وشعبي متوافر. دون أن ننسى بالطبع، أن تمسك الحكومة المركزية في لندن بوحدة هذه المملكة، يمنحها قوة دعم انتخابية في وقت تعاني فيه تدهور شعبية حزب المحافظين الذي يسيطر عليها، والذي شهد في الآونة الأخيرة سلسلة من التطورات غير المسبوقة، عبر تغيير حكومات متتالية في فترة زمنية قصيرة للغاية، ودون انتخابات عامة. فسلطات برلمان اسكتلندا الذي يسيطر عليه القوميون محدودة وفق نظر المحكمة العليا، لا تسمح بإطلاق أي استفتاء يستهدف تحديد مصير الإقليم.
في كل الأحوال، لا تزال الساحة مفتوحة أمام الانفصاليين في اسكتلندا، فهم وضعوا مسألة الانفصال عن التاج البريطاني على رأس الأولويات، بل بات الأمر الأولوية الوحيدة تقريبا، إلى جانب معالجة حمى ارتفاع أسعار المستهلكين (التضخم) التي تجتاح بريطانيا كلها. وإذا ما نجحوا في تحويل الانتخابات البريطانية العامة القادمة، إلى استفتاء غير مباشر على هذا الانفصال، فإنهم سيضعون أي حكومة ستأتي بعد هذه الانتخابات في موقف حرج للغاية، إذا ما واصلت معارضتها لإجراء الاستفتاء المستهدف. الضربة القوية لدعاة الاستقلال التي جاءت من المحكمة العليا، قد تتحول إلى "تفهم" وضعيتهم أكثر بعد انتخابات عامة لا تريد الحكومة الحالية أن تكون مبكرة، بسبب وضعيتها الانتخابية المتهاوية.