لابد أن الدكتور بطرس غالي سوف يستريح في قبره، وهو يرى من هناك في العالم الآخر، أن الجائزة التي تحمل اسمه قد ذهبت هذه السنة إلى رجلين يشتركان معه في أشياء كثيرة، ولكن الشيء الأهم هو حُب القارة السمراء.. لقد ذهبت الجائزة إلى محمد فائق، ثم إلى محمد بن عيسى، وكلاهما لا يجمعهما شيء قدر اهتمامهما بهذه القارة التي يتنافس على ثرواتها الصينيون والروس والأميركان.
فالوزير فائق كان مديرًا لمكتب عبدالناصر للشؤون الأفريقية، ومن بعدها كان مستشارًا له للشؤون نفسها.. وفي الحالتين كانت هذه القارة التي ننتمى إليها هاجسًا بين اهتماماته لا يفارقه.
والوزير بن عيسى كان مسؤولًا عن وزارة الخارجية في المغرب لسنوات، وكان الشأن الأفريقي من بين الشؤون التي يشتغل عليها بالتأكيد.. ولكنه لم يشأ أن يتوقف عند هذا الحد، لأنه في مرحلة لاحقة راح يحول اشتغاله بالشأن الأفريقي وزيرًا إلى انشغال به أمينًا عامًا لمنتدى أصيلة الثقافي الدولي.. فلا تكاد تمر دورة جديدة من دورات هذا المنتدى إلا وتكون أفريقيا ضيفًا على مائدة المنتدى.
في كل دورة تكون القارة حاضرة، ويكون حضورها باستضافة رؤساء أفارقة مرة، أو شعراء من بين شعرائها مرةً أخرى، أو من خلال محاور في المنتدى تتولى قضاياها بالمناقشة والحوار مرةً ثالثة، أو باستقدام الفنون الأفريقية في معارض للجمهور مرةً رابعة.
وفي مرحلة متقدمة من حياته، كان الدكتور بطرس قد جلس على رأس المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولا أعرف ما إذا كان قد وجد سعادته في هذا الموقع أم لا؟!.. ولكن ما أعرفه أني قابلته وقتها في مكتبه، وأني كان لي معه لقاء تليفزيوني استغرق ساعة على قناة «دريم»، وأنه كان يبدو منهمكًا في مهمته في المجلس، وأنه كان كعادته يريد أن يؤديها كما يقول الكتاب.
ورغم ذلك أحسست يومها وقبلها، ومنذ أن جرى اختياره لرئاسة المجلس، أنه كان يشعر بأنه «رجل في غير مكانه».. ولم يكن في ذلك تقليل من شأن هذا المجلس المهم، ولكن الموضوع أن مكان الرجل الصحيح كان في موقع آخر يشبه الموقع الذي تولاه فائق مع عبدالناصر.
ذهاب الجائزة إلى بن عيسى بالذات، ثم إلى فائق على وجه الخصوص، هو ذهاب بها إلى مكانها، وهو أيضًا توجيه لها إلى حيث يجب أن تظل تتجه على الدوام.
التعليقات