في مثل هذه الأيام من العام 2004 توفي محمد عبد الرؤوف القدوة، المعروف بياسر عرفات، تاركاً خلفه أرملته وابنة وحيدة، وأول أرض فلسطينية مستعادة منذ فقدان الأرض الكل. غير أن ما استعيد من أرض ودولة وقوة في زمنه، انشق من بعده إلى سلطتين تتصالحان كلما اقتضت الصورة التذكارية، وتتصارعان كلما قضت تقاليد الأخوة العربية.

ومرت ذكرى غياب صاحب الكوفية الأول من دون أن ينتبه أحد إلى أن القيادة الفلسطينية دخلت حكماً مرحلة الخلافة. فقد أصبح آخر الرفاق المؤسسين، محمود عباس في السابعة والثمانين. وفي قمة الجزائر الأخيرة، ظهر إلى جانب الرئيس تبون في بذلة وربطة عنق، ومضى الزمن الذي كانت فيه الكوفية تشغل القمم.
ولا يبدو أن خلافة أبو مازن على جدول الهموم، أو جدول الأعمال. ولا خلف حتى على سبيل الشائعات. غير أن جو الانقسام ملبد. ومن دلائله أن ناصر القدوة ابن شقيقة أبو عمار، ووزير الخارجية السابق، اختار في سبتمبر (أيلول) الماضي، الاستقرار في غزة، وليس في رام الله، عندما قرر العودة نهائياً من الولايات المتحدة. وفي مرحلة كان اسمه بين الأسماء المطروحة لخلافة عرفات ثم عباس. أما الآن وبعد 17 عاماً على غياب أبو عمار، فما من أحد من رجاله السابقين على مقربة من القيادة.

يذهب القدوة (مواليد 1954) إلى أبعد من ذلك عندما يقول لصحيفة «إل باييس» الإسبانية، إنه «يخشى على حياته في الضفة»، وإن «مجموعة صغيرة خطفت حركة فتح»، وبالتالي هذا ما يجعله يفضل العيش في ظل «حماس». وكان القدوة قد أبعد من اللجنة المركزية وجرد من جواز سفره الدبلوماسي ورئاسة مؤسسة ياسر عرفات، وانضم بعدها إلى مؤيدي مروان البرغوثي، الأيقونة المحكوم بالسجن المؤبد 5 مرات في سجون إسرائيل.

يتمتع القدوة الذي عرفناه مندوباً لفلسطين لدى الأمم المتحدة بالكثير من الانفتاح والدبلوماسية. لكنه يقول الآن إن «المؤسسات الفلسطينية قد دمرت ولم يعد هناك وجود لحكم القانون». بين الذين أبعدوا أيضاً حنان عشراوي وياسر عبد ربه وإبراهيم الطراوي. فيما يلاحظ صعود سريع جداً لحسين الشيخ الذي أعطي منصب كبير المفاوضين الذي كان يشغله الراحل صائب عريقات. ولا يتمتع الشيخ بشعبية كبرى بين الفلسطينيين مع أنه أمضى بدوره 11 عاماً في سجون إسرائيل.

الصراع على خلافة أبو مازن ليس جديداً. الجديد أن في وجه ما يمثله من اعتدال، دفع الإسرائيليون بنيامين نتنياهو إلى الواجهة مرة أخرى، ومعه غلاة المتطرفين. القضية في حال تعبة على جانبيها.