يعيش العالم هذه الأيام أجواء كروية في ظل إقامة كأس العالم في دولة قطر الشقيقة بعد أربع سنوات خلت، وتتنافس منتخبات الدول لنيل كأس البطولة المرتقب، وقد انحصرت الأخطاء التحكيمية في ظل استخدام تقنيات جديدة، ولا شك أن التطور التقني في هذا المجال لن يقف عند هذا الحد، فالتقنية ليس لتطورها حدود في جميع المجالات، لن أدخل في التحليل الرياضي لأن للرياضة صفحاتها وكتابها، لكن سنتحدث عن تلك المتعة في المتابعة، والحديث والنقاش حول المباريات بين الأسرة الواحدة، أو الأصدقاء الذي قد يجتمع البعض منهم بصورة استثنائية للمشاهدة، أو تلك الجموع التي تسارع إلى بعض الأماكن المعدة لعرض المباريات على شاشات كبيرة، وفي ساحات واسعة. لا بد أن تلك الأجواء ستصنع مزيداً من التقارب والتآلف لأن كل المجموعة الواحدة تشجع منتخب بلادها، فلا تنافر ولا جدال، كما هي الحال في الأندية التي قد يتغاضب الأصدقاء بسبب تشجيع بعضهم ناد منافس، وكل يدافع عن ناديه، فيزيد الجدل وقد يؤدي إلى النزاع.

عندما تشجع الجموع منتخب بلادها فهي تشجعه حباً، وولاءً، ووطنيةً، وإخلاصاً، والبعض قد يحمل حقائبه ويتحمَّل عناء السفر ومصاريفه في سبيل الوقوف بجانب منتخب بلاده، ولا شك أنها أيضاً تجد في ذلك متعة، وتذاكر كأس العالم تقدم هدايا أحياناً من قبل الأصدقاء، وبين رجال الأعمال، كما قد تقدمها بعض المؤسسات لزبائنها، وهذا أمر قد درج عليه البعض لا سيما في الغرب.

من عجائب كرة القدم أنك ترى فيها الحياة مصغرة، وجوه فرحة، وأخرى حزينة، وقد يختفي ذلك الفرح في لحظة معينة، ويعتري الوجوه حزن شديد، وقد تنقلب الأحوال، كما هي حال الدنيا، وقد يحدث ذلك في دقائق من عمر المباراة الواحدة، أو ربما بعد أيام في مباراة لاحقة، ولا بد أن تغادر فرق وتبقى أخرى، فيتحول مشجعو تلك المنتخبات المغادرة لمناصرة دول أخرى، ويرقصون على أنغامها، وهم يحملون الحسرة داخل نفوسهم، وبين ضلوعهم، تماماً كما هي حال الدنيا، تسعد تارة، ثم تروغ كما يروغ الثعلب، ليس لها صاحب، ولا يأمنها مصاحب، عجائبها كثيرة، ومواجعها مريرة، تدنيك ثم لا تلبث أن تقصيك، دون ذنب اقترفته، أو خطأ ارتكبته، لكنها عادتها التي لم ولن تتغيَّر، مهما طال الزمان، يقول الشاعر:

هي الأمور كما شاهدتها دول

من سره زمن ساءته أزمان

أما في كرة القدم والرياضة فمن سره لحظات، أو دقائق، أو أيام محدودة، ساءته أخرى، فهي لا تحتاج إلى وقت طويل كما هي حال الدنيا وحسنها وجمالها، ثم انقلابها كأنها وحش كاسر، أو ليل مدلهم مظلم، أو ريح صرصر عاتية، أو تسونامي يغرق من في طريقه من منازل ومرافق وطرق وسيارات وطائرات، وحسبك أن تسمع بقول الشاعر:

ما بين طرفة عين وانتباهتها

يغيِّر الله من حال إلى حال

اللَّهم غيِّر أحوالنا إلى ما يرضيك عنا، ويسعدنا، ويحقق آمالنا، ويرفع من شأننا، ويجعل أمورنا كلها خير وإلى خير.

يقول ابن زيدون:

من يسأل الناس عن حالي فشاهدها

محض العيان الذي يغني عن الخبر

بعد انتهاء البطولة سوف يعتزل لاعبون مميزون، كان لهم صولة وجولة في الملاعب، وكان يشار إليهم بالبنان في كل مكان، ويبقى ذكرهم عبر الأزمان، تردده ألسنة الشيب والشبان، وأخرى ستكون طي النسيان، يشار إليها لماماً، في حديث عابر، وقول سائر، وستبرز أسماء، يكون لها بروق وأصداء، ويعجب بها رجال ونساء، تماماً كما هي حال الدنيا، مع كل البشر، ملوك ورؤساء، وعلماء ووزراء، يمحو ذكرها الزمان، من كل مكان، وتصبح أثراً بعد عين، وأخرى خالدة، خيرة ماجدة، تترك ذكراً حسناً، وأثراً طيباً عطراً.

وقد رأينا وسوف نرى منتخبات تكد وتجتهد، وتلعب وتتعب، وتحاصر المنافس، وتهدِّد مرماه، بضربات متتالية، لكنها، إما أن تعتلي العارضة، أو تميل يميناً أو يساراً، أو تذهب صوب الحارس أو تضرب في مدافع، وكأنها تأبى الدخول، وتفرض على النجوم الأفول، مهما كانت قدراتهم، وحلولهم وإبداعاتهم، يقول الشاعر:

ولكم أجدى قعود

ولكم أكدى التماس

أي وربي فإن هذا حال الدنيا، رأينا، وقرأنا، وسمعنا، وكذلك سوف نرى ونقرأ ونسمع، أناساً قد اجتهدوا وأبلوا بلاء حسنًا، وطرقوا أبواب الدنيا، فأبت أن تشرع أبوابها، وأن تزيل حجابها، وآخرين طاب بختهم، وأصاب سهمهم، وشرعت لهم الدنيا أبوابها، مع قلة اجتهاد، ونقص في الرأي والانقياد، لكن سهمهم يصيب، وبختهم لا يخيب، يقول الشاعر:

إذا لم ويكن عون من الله للفتى

فأول ما يقضي عليه اجتهاده