للمرة الأولى التي تعيش فيها منطقة الشرق الأوسط أجواء بطولة دولية تلفت إليها نظر العالم أجمع، إقامة كأس العالم في قطر ضاعفت من الاهتمام في المنطقة وحولها، وكما نعلم جميعا أن الجمهور الرياضي في العالم هو أكبر بكثير من الجمهور السياسي دوليا، ولذلك فإن لعب مباراة كرة قدم واحدة والفوز فيها في كأس العالم يحقق من الإنجازات السياسية والثقافية والاجتماعية الشيء الكثير، فعلى سبيل المثال كل البشرية تعرف البرازيل بسبب كرة القدم وسوف يستمر ثأثير البرازيل في كرة القدم دون توقف، فالثقافة التي صنعتها البرازيل كونها الأكثر تميزا في كرة القدم ساهمت كذلك في تطور هائل في المكانة السياسية لهذه الدولة.

كل شي في هذا العالم ومع عصر التقنية والتحولات التكنولوجية سيكون قابلا للتغير الجذري كل شيء دون استثناء، ولكن كرة القدم لن تتغير فلن يسمح للربوت أن يمثل الدول في لعبة كرة القدم، ولن تتحول الأقدام إلى شي آخر، وفي ذات الوقت ستطور التقنية كل شيء حول كرة القدم ولكن ستظل هذه اللعبة تُلعب بالأرجل وسوف تظل أداة عاطفية وطنية من خلال التشجيع والانتماء ومهما طورت التقنية من شكل هذا الكون فسوف تظل ملاعب كرة القدم كما هي، وسوف يظل الإنسان هو من يمارس هذه اللعبة كونها لعبة تختلط فيها المهارات بالانتصارات بالعواطف الوطنية والانتمائية لكل فرد.

كأس العالم هو أكبر تجمع رياضي دولي على الإطلاق وهو مختبر دولي لقياس الانتماء ومهما تغير العالم أو أي من أدواته السياسية فسوف تظل كرة القدم الأداة السياسية الأسرع تأثيرا في النشر الإعلامي حول الدول ومكانتها وإمكانياتها، ومع دخول القرن الحادي والعشرين تضاعف متابعو كرة القدم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت المبارات وفق تقنية سهلة حيث أصبح بمقدور كل إنسان على هذا الكون وفي أي مكان أن يصل إليها، وهنا يأتي السؤال الأهم ماذا يعني ذلك؟

الحقيقة المتفق عليها أن لاعبي كرة القدم في العالم يتواجدون في كل دولة وفي كل مدينة بل وفي كل قرية في هذا الكون بلا استثناء سواء كان ذلك التواجد عبر الممارسة أو عبر المشاهدة وهذا يعني أن ما يمكن أن تنجزه وسائل الانتشار الإعلامي في سنوات يمكن تحقيقه في تسعين دقيقة وخلال مباراة كرة قدم واحدة يتحقق لك الفوز فيها، الاهتمام بكرة القدم ثقافة سياسية واعية وتوسيع انتشار هذه اللعبة في الدول يجعلها أمام فرصة كبرى لاكتشاف المهارات، والرياضة لها ارتباط وثيق بالوطنية والانتماء لذلك يستحيل أن تنجح فكرة استيرادها فهي محلية في أصلها ونشأتها.

في هذه الأيام ونحن نعيش أجواء كأس العالم أدركنا أن الفوز له قيمة وطنية وسياسية ورياضية يمكن من خلالها تحقيق الكثير من الإنجازات، والمستقبل القادم كما قلت هو لكل رياضة يمارسها الإنسان، حيث يصعب على التقنية أن تستبدلها، وكرة القدم مزيج من المشاعر الوطنية والمهارات الرياضاية التي يصعب إيجاد بديل تقني لها، عندما حققنا الفوز على الأرجنتين ضاعفنا عدد البشر في معرفة وطننا، فالفوز بحد ذاته كان علامة فارقة مهمة في أن يتحدث العالم بأكمله عن السعودية، وكما توقعت بعض الدراسات فإن الفوز في مباراة الأرجنتين حقق من الانتشار الإعلامي وخلال تسعين دقيقة إنجازا إعلاميا ووصولا دوليا يحتاج إلى سنوات عبر الطرق الإعلامية التقليدية.

من خلال كرة القدم يمكن تحقيق الكثير من الإنجازات، وفي المملكة هناك فرص كبرى لبناء الخطط والاستراتيجيات لفتح المسارات والفرص للمواهب السعودية وخاصة من خلال المدارس والأكاديميات سواء من خلال الأندية أو من خلال القطاع الخاص، لا بد من نقل ثقافة الأندية الرياضية لدينا من فكرة الخصوصية إلى فكرة أن الرياضة ثقافة وطنية واقتصادية مهمة لتحقيق التطور وخاصة أن لدينا رؤية 2030، التي يمكن من خلالها جعل ثقافة الرياضة وخاصة كرة القدم مصدرا مهما لتلبية رغبات التطور والتنمية لوطننا.

عبر كرة القدم يمكن تحقيق الإنجازات السياسية الكبرى ليس فقط من خلال تنظيم البطولات أو رعايتها ولكن من خلال ممارستها، فالقرن الحادي والعشرون هو قرن محاصرة المهارات البشرية ومحاصرتها والعمل على استبدالها تقنيا ولكن شيئا واحداً لن يطاله هذه التغيير ألا وهو كرة القدم التي ستعمل التقنية على خدمتها، وسوف تظل الكرة لعبة الإنسان التي لن يجيدها غيره فهي اللعبة المهارية التي تمتلك أكبر جمهور في هذا الكون ولديها القدرة على تعزيز الوطنية والانتماء والتضحية، كما أن الانتصارات التي تحققها هذه اللعبة هي أسرع الطرق للوصول إلى العالم سياسيا وثقافيا واجتماعياً.