كان من الصعب على أولاف شولتس أن يملأ الفراغ الذي تركته أنغيلا ميركل في قيادة ألمانيا بعد 16 عاماً متوالية في الحكم. وإذا كان المستشار الجديد يفتقر من حيث المواصفات الشخصية الى الكاريزما التي كانت تتمتع بها ميركل، فإنه ربما كان من سوء الطالع أن تتزاحم المشاكل على أبواب المستشارية منذ عام حتى الآن.

لا نتحدث عن الاقتصاد الذي كان يعاني بسبب الإغلاقات التي فرضتها السلطات على مدى أكثر من عام نتيجة تفشي وباء كورونا. إنما الأزمة الأخطر التي انفجرت في وجه شولتس، كانت الحرب الروسية - الأوكرانية.

هذه الحرب التي فرضت تغييراً جذرياً على سياسات الدول الأوروبية وليس ألمانيا فقط، كان لها بالغ الأثر في تشكيل ولاية شولتس. وأكبر أزمة واجهها كانت على صعيد الانتقال من الاعتماد بنسبة 40 في المئة على مصادر الطاقة الروسية إلى مستوى صفري والاتجاه نحو البحث الحثيث عن بدائل، بينما دفعت التطورات المتسارعة والقطيعة مع روسيا أقوى اقتصاد في أوروبا إلى حافة الركود.

لم تمهل أخطر حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية شولتس كثيراً كي يظهر براعته القيادية، في حين كانت الأحداث تتسابق، وتأخذ القادة الأوروبيين جميعاً على حين غرة، لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن يهاجم الرئيس فلاديمير بوتين أوكرانيا، رغم الحشود التي كان يجمعها على الحدود.

لم يكن شولتس مستعداً لقيادة ألمانيا في زمن الحرب. أما وقد باتت أمراً واقعاً، فإن برلين ترددت أول الأمر في إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، لأن الدستور يحظر إرسال أسلحة إلى مناطق النزاع. لكن سيل الانتقادات التي انهالت على ألمانيا وتحميلها مسؤولية جعل أوروبا الغربية تحت رحمة النفط والغاز الروسيين، عبر خط "نورد ستريم-1" و"نورد ستريم-2" (الذي تم تدشينه من دون أن يوضع موضع التشغيل بسبب اندلاع الحرب)، بدل الموقف الألماني.

لم يستطع شولتس مقاومة المد الغربي الجارف في اتجاه العداء المطلق مع روسيا، وفرض أقسى عقوبات ممكن أن تتعرض لها دولة في التاريخ الحديث. وانتقل شولتس إلى موقع متقدم في المواجهة ليعلن خطة لتحديث الجيش الألماني بكلفة مئة مليار يورو، فضلاً عن الشروع في إرسال أسلحة متطورة إلى كييف. واليوم يعتبر نظام الدفاع الجوي الألماني "أيريس-تي" ركيزة أساسية من الركائز التي تعتمد عليها أوكرانيا في التصدي للصواريخ والمسيّرات الروسية التي تهدم البنى التحتية الأوكرانية.

دخلت ألمانيا شريكاً كاملاً للولايات المتحدة وبقية دول حلف شمال الأطلسي في مساعدة أوكرانيا على التصدي للقوات الروسية. وقبل أيام دار جدل بين روسيا وبرلين بسبب تبني البوندستاغ الألماني قراراً يعتبر المجاعة التي أصابت الأوكرانيين في عهد ستالين عامي 1932 و1933 بمثابة "إبادة جماعية".

والاتصالات بين شولتس وبوتين التي كانت شبه يومية في الأيام الأولى للحرب، باتت نادرة. آخرها كان يوم الجمعة الماضي، عندما طالب المستشار الألماني الرئيس الروسي بالانسحاب الكامل من أوكرانيا.

الحرب وتبعاتها الاقتصادية على ألمانيا، باعدت بين برلين وباريس. ولم يكن في الإمكان إخفاء التوتر بين البلدين. وولت أيام كان ماكرون وميركل يلتقيان فيها أسبوعياً تقريباً للتداول في تدعيم محور باريس - برلين، خصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

شولتس فاجأ ماكرون الصيف الماضي بتخصيص 200 مليار يورو لتحديد سقف لأسعار الطاقة في ألمانيا وتخفيف العبء عن المستهلكين في مواجهة أعتى موجة تضخم تعرفها البلاد منذ عقود. ولقيت الخطوة انتقاداً علنياً من فرنسا وبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لأن من شأنها التأثير في المنافسة، لا سيما أن هذه الدول لا يمكنها أن تطلق برنامجاً بهذا الحجم.

وما بدا أنه سعي من ألمانيا إلى "عزل" نفسها، جعل ماكرون وليس شولتس، يتقدم المشهد الأوروبي ويفرض نفسه في الموقع الذي كانت تحتله ميركل ذات يوم.