نشرت له الأيام وأخبار الخليج، وتنشر له عشرات الدوريات العربية والأجنبية، شعرًا «أكثر من عشرين ديوانًا ونثرًا»، أكثر من مائة دراسة لكبار المثقفين والنقاد والمفكرين العرب، إنه محمد الشحات الراجحي الشاعر والصحفي والصديق القديم، وهو في الوقت نفسه المجمع الشعري الذي يعمل ليلاً نهارًا من أجل تطوير تحقق جديد للشعر العربي الذي يعاني الأمرين من الدخلاء والمدعين وكتاب الخواطر الباهتة، لقد عثرنا على بعضنا البعض قبل أربع سنوات، وكان لـ«السوشيال ميديا» فضل كبير، وللزميلة والصديقة الصحفية والشاعرة المبدعة د. عزة بدر الفضل الأكبر في إعادتنا إلى بعضنا البعض.

كنت في المهجر، وكان في صومعته، كنت ومازلت أحاول التخلص من شرنقة الرحيل الطويل، وكان ومازال ينسج من خلال مشروعه الشعري الكبير محاولات جديدة في الشعر الصوفي والأداء الدرامي الرشيق، والصورة التي تبحث لنفسها عن موقع تحت شمس المعارف المتنوعة.

عندما التقاني عبر الأثير عاتبني وقال لي بالحرف الواحد أنت تضيع ما بقي لك من العمر هباءً منثورًا، وسوف يعاقبك الله لأنك لم تحسن التعامل ما منحه سبحانه إياك من موهبة هو يراها حقيقية.

وبصرف النظر عما قدمه الشاعر الكبير محمد الشحات لي على المستوى الشخصي من تشجيع ومساندة، وبعيدًا عن علاقتنا الشخصية التي تشابهت ملامحها منذ البدايات ونحن نحاول الإفلات من الخيوط العنكبوتية لمرحلة السبعينيات وما نشأ فيها من مواءمات عقائدية، ومساومات سياسية، وتدخلات غير شعرية، وغير عادلة من أصحاب اليد الطولى على الحركة الثقافية في مصر آنذاك، رغم هذا أو ذاك، فإن تجربة محمد الشحات الشعرية لا يمكن فصلها عن مكابداته الإنسانية، هو الذي يعشق الظل، ويقترن به كظله، وهو الذي يكتب عن ملامح ذلك الظل في ديوانه «ملامح ظلي»، وهو الذي تحدث بعد عودته من رحلته الطويلة بأمريكا عن الرحيل الأكبر لشاعر ظل يعاني طول العمر، وهو الذي كتب عن عازف الناي، وعن لاعب السيرك، وعن ابنه الذي سيعود من بعيد، وعن الاعتكاف الصوفي الذي يلتقي في لياليه الغامضة مع كبار «المُستغنيين» العرب «النِّفَري»، و«عمر بن الفارض» و«جلال الدين الرومي»، وفرق «النقشبندية» وغيرهم.

وهو الذي أبعدته المنافي القصرية عن الساحة المكتظة بالذين يعلمون والذين لا يعلمون، الشعراء الذين يرفضون الانصياع للشعار، والخضوع لللافتات البراقة، والنزول إلى رغبة اللحظة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لحالة التألق التي يمكن أن تأخذ الشاعر بعيدًا نحو الإبداع.

محمد ظاهرة ثقافية كونه يتابع ويقرأ على مدار الساعة ويُخرج من آباط الأيام المتبقية من العمر درر العصور الذهبية، وآمال العصور القادمة، كونه محاولة رقم مليون في طريق المحاولات الصعبة والأرقام المستحيلة التي حاولوا فيها من كانوا قبله لكنهم لم يقطعوا من مشوار الألف ميل سوى الزهيد من الخطوات.

قبل أربع سنوات أو خمس على وجه التقريب بدأت القراءة له، والمتابعة لأعماله، فإذا بي أجد في تلك الأعمال ما يشدني إلى أساسيات لم يحترمها الكثيرون من أشباه شعراء اليوم، ولم يلتزم بقواعدها هؤلاء الذين تناثروا كما النثر الذي يكتبونه، وتشرذموا مثل الخواطر التي يسطرون، وتعالوا على الورقة والقلم بحجة أن أدوات الكتابة الحديثة تُغني، وأن آفاق الذكاء الاصطناعي قد تحل بديلاً عن الشاعر في شعره، وعن الصحفي في محرابه، وعن المبدع في دنياه المغلقة المفتوحة.

كنت على تواصل مع الصديق الشحات ومازلت، وأحاول دائمًا أن أجاري سرعته في الوصول إلى الهدف، وأعترف بأن سرعاته تكون دائمًا أكبر، ومحاولاته تصبح على المدى أكثر وجاهة، ونتاج تجربته علمتني شخصيًا كيف أصبح مقاتلاً رقيقًا، وعنيدًا مسالمًا، وطيبًا شرسًا، ومجربًا بسيطًا. هذا هو جزء من محمد الشحات، وللحديث بقية.