يفترض أن يكون الهم متوجهاً نحو العمل والإنتاج، عند كل فتاة وشاب، خاصة في مقتبل العمر، بل إن الحياة العملية تكون مسيطرة ولها وقعها القوي في يومهم، وهذا طبيعي، كونهم يخطون أولى الخطوات نحو حياة محملة بالمسؤولية والاعتماد على النفس.

ولكم أن تلاحظوا كل من هو في مقتبل العمر، ويبدأ حياة العمل والوظيفة، حيث تجده مندفعاً في عقد الصداقات في بيئة العمل، وتكون مثل هذه الصداقات لها قيمتها المرتفعة لديه، ويعتبر فقدان أي من تلك الصداقات بمثابة الصدمة الكبرى، ويخفى عليهم أن بيئة العمل محكومة بالتنافس، ومحاولة التميز والإنجاز، لأن الترقيات وزيادة المرتب الشهري غير متاحة للجميع.

ومع أن هناك بيئات عمل، أخف وطأة، وتنتشر فيها علاقات متينة من الزمالة والإخوة، إلا أنها معرضة للاهتزاز في أي مرحلة، تتم مواجهة تحد أو تنافس، أو بعثة خارجية، أو دورة أو نحوها من المميزات الوظيفية، وهذا لا يلغي التميز الإنساني، ولا قوة وحضور القيم والأخلاق، ولا يعني عدم وجود نماذج وأمثلة جميلة لعلاقات إنسانية دافئة، لكن تبقى بيئة العمل محكومة بمتطلبات محددة من الإنتاجية، والقيام بالمهام الوظيفية الموكلة لك. ثم تأتي الجوانب الأخرى فيما بعد، لذا لا تعتبر بيئة العمل مكاناً لبناء علاقات اجتماعية، حتى وإن حدث ووجدت نماذج تحولت زمالات العمل لصداقات متينة وقوية، فلها ظروفها وطبيعتها التي لا يمكن إسقاطها كحالة عامة على جميع الأقسام وبيئات العمل.

لذا من البديهي أن يصدم الموظف الجديد، عندما يجد بعض القسوة، أو التعالي، أو التجاهل، من البعض من زملاء العمل، ومع تأثير مثل هذا الجمود، قد يتعثر الموظف الجديد في وظيفته، بل يعتبر أن بيئة العمل طاردة وقاسية، فيسارع في تقديم استقالته، وبطبيعة الحال، ردة الفعل هذه خاطئة تماماً.
لذا يجب على كل موظفة جديدة، وكل موظف جديد، لتوهم يخطون نحو الحياة العملية، الحذر، وعدم اعتبار بيئة العمل مكاناً لإقامة الصداقات الوثيقة القوية، ويجب وضع كل شيء في إطاره ومكانه الصحيح، تقول الروائية الإنجليزية جاين أوستن: «العمل قد يجلب لك المال، لكنه لا يجلب لك الأصدقاء»، ومع أن مقولتها عامة، ولعلها تقصد العمل بصفة عامة، عندما يتفرغ له أحدهم ويستهلك وقته، فلا يجد متسعاً لقضائه مع الأصدقاء، فقد يكسب المال، لكن الأصدقاء لا يتم كسبهم بالابتعاد عنهم.