مفهومنا عن القوة، محصور في جوانب محددة، مثل القوة الجسدية، أو القوة العسكرية، أو نحوها، لكن هناك مجالات للقوة أكثر فاعلية في حياتنا، ووقعها وتأثيرها وأثرها كبير جداً، على سبيل المثال، نغفل عن قوة التسامح، الرحمة، الامتنان، العطاء، الإيثار، نغفل عن الأثر البالغ لمثل هذه القيم، الأثر الذي يمتد لجوانب كثيرة من الحياة؛ حيث تكمن قوة هذه القيم، في منح الآخر الأمل، والمساعدة التي يحتاج إليها، وأيضاً في ارتدادها على كل من يمارسها، بشكل إيجابي وفعّال، قوة القيم تكمن في شموليتها وعموميتها.

أتوقف مع واحدة من أهم القيم الحياتية، وهي الصبر، الذي مهما تحدثنا عنه، يبقى له أثر كبير، وهو ذو قيمة عظيمة. جميع الأمم والشعوب، تدركه، وتجد في كل مجتمع الكثير من الأمثال والمقولات التي تحث عليه، وتوصي به، فمن خلال التجربة البشرية، تيقن الإنسان أن ما يمنحه له الصبر من قدرات مثل: ضبط النفس، تفهم الآخرين، الهدوء في التعامل مع أحداث الحياة، الطمأنينة والسلام، وغيرها من الفوائد، لعل أهم صفة وأعظم فائدة، تتمثل في الذكاء وتحديداً الذكاء العاطفي، فإذا صح التشبيه، فإن الصبر قوة دافعة لتحقيق هذا الذكاء، عندما تتمتع بالصبر، وتمارسه فعلاً حياتياً، فإن التريث والأناة اللتان هما من مكونات الصبر، تكون صفة دائمة، وبالتالي، التعجل والمسارعة في إصدار الأحكام أو في الأفعال، تصبح ملغية تماماً من قاموسك الحياتي، وهذا يسهم في نمو العلاقات الاجتماعية، ويجعل المواجهة والحدة مع الآخرين في مستواها الأدنى.

ولا نبالغ عند القول إن الصبر، يسهم في ثبات الأسرة، والاستقرار العاطفي للأطفال تحديداً، لأن ممارسات جميلة مثل: الهدوء، التفهم، بعد النظر، تصبح هي وسائل التفاهم، والطريقة المثلى لحل الخلافات مع أفراد الأسرة، ودون شك في أن هذا ينعكس بشكل إيجابي على الجميع، والذي يحدث هو التعبير عن الهموم والمخاوف بكل بساطة وحرية، ودون أي تردد. والحقيقة أن الصبر يمنحنا قيمة أخرى أيضاً، وهي التقبل، لم تعد مشغولاً بتتبع الأخطاء أو الزلات؛ بل تصبح لديك عادة، وهي عدم الحكم على الآخرين، وعدم إصدار أحكام ضد أحد؛ بل تتقبل الناس كما هم، وهذا يعني راحة البال، وعدم الانشغال، ما يؤدي إلى راحة في مختلف مناحي الحياة.

الصبر يسهم في جودة حياتك، ويخفف الضغوط، ويدفعك إلى الانشغال بنفسك وطموحاتك، ويجعل يومك محملاً بالإنتاج والتركيز على الأهداف والانشغال بتحقيقها.