الجودة بشكل عام هو مصطلح يقابل النوعية وفق تنفيذ معايير تتعلق بالتميز والخلو من العيوب وتحقيق رضا العملاء أو الزبائن. وتنشد المؤسسات الجادة والعريقة تحقيق هذا المصطلح في مفاصل عملها، ابتداء من جودة الإدارة إلى جودة آليات العمل، وجودة المنتج أو المخرجات، ويتجلى كل ذلك في جودة التعامل مع الآخر وهو العميل، الذي يتحوّل في النهاية إلى حَكَم على الجودة.

قد يندهش كثيرون من العنوان، ويعتقدون أنه من الصعب الحديث عن الجودة السياسية لتقاطعها مع الشفافية وأداء القيادة، وانقسامها إلى سياسة داخلية وأخرى خارجية، ولأن السياسة، بوصفها فن إدارة الدولة، ستشمل كل المؤسسات والوزارات والهيئات الحكومية التي تقدم الخدمات، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية وتحقيق العدالة الاجتماعية والقانونية وصون حقوق الطفل والمرأة وأصحاب الهمم وغيرها، ودعم النقابات والاتحادات، وفي النهاية تكمن المخرجات في مدى رضا الشعب عن أداء الحكومة، أما المعايير فقد تتمثل في معيار واحد، أن يعيش المواطن بكرامة في وطنه. وكلمة كرامة تشمل كافة الحقوق والواجبات، وهنا قد نشمل بحديثنا بشكل فجائي وننتقل للحديث عن جودة المواطن، وقيامه بمسؤولياته وواجباته على أكمل وجه، والحكم الطبيعي على ذلك ستكون الحكومة، والحُكم على الحكومة سيكون المواطن، وقد يقفز أحدهم إلى النتيجة على صيغة سؤال: أنت تبحث عن جمهورية أفلاطون. والجواب كلا، لأن المسائل نسبية حتى في ما يتعلق بالجودة.


ولعل معايير الجودة السياسية تشبه معايير مؤشر السعادة العالمية، التي تنص في ما تنص على جودة علاقة الحاكم بالمحكوم، فإذا صلحت هذه العلاقة يكون طرفا المعادلة، الحاكم والمحكوم، قد لبّى شروط الجودة، وتحقّق التكامل والانسجام، لأن العلاقة الجيدة تعني بالضرورة توفير الخدمات بنوعية عالية، وأن المواطن يعيش بكرامة في الدولة.

لعلّ مؤشر السعادة العالمي لا يتطرق كثيراً إلى السياسات الخارجية للدول لأنه يصبّ اهتمامه على سعادة الأفراد، لكن لو نظرنا بعمق إلى تحقيق مؤشرات السعادة داخلياً فإننا سنجدها مرتبطة بالسياسة الخارجية، فإذا كانت علاقات الدولة الخارجية مع المجتمع الدولي جيدة، فإنها ستنعكس إيجابياً على البيئة الداخلية بكل هياكلها ومؤسساتها، والعلاقات الجيدة مع الخارج تعني تحقيق معايير السلام مع الآخر، لنصل إلى جودة العلاقات الخارجية، أي أن الدولة تعيش بسلام ضمن محيطها، ما يتيح لها فرصة توظيف إمكانياتها لتحقيق تنمية نوعية، وهذه النوعية لا تأتي إلا باستدامة السلام والأمن والاستقرار.

والسؤال الجوهري هو، من هي الجهة التي ستراقب تنفيذ المعايير وتحقّقها على أرض الواقع؟ سيحضر إلى الذهن مباشرة المنظمات الدولية، والهيئات العالمية، وهنا قد يحدث صدام بين هذه الهيئات والدول، بسبب وجود خصوصية ثقافية واجتماعية وعقائدية لكل دولة، قد تتعارض مع القوانين والمعايير والأفكار والممارسات العالمية، ومنها على سبيل المثال مصطلح حقوق الإنسان، وهو مصطلح فضفاض ومتشعّب ولا يمكن تحديد معايير واحدة لتحقيقه، بسبب اختلاف العقائد والعادات والتقاليد والقيم والمنظومة الأخلاقية، وما يقبله المواطن في النرويج أو ألمانيا أو الدنمارك على سبيل المثال، قد لا يقبله المواطن في إندونيسيا أو الصين أو في العالم العربي، نظراً لاختلاف المفاهيم والخطاب الثقافي، إضافة إلى نمو المجتمعات الفكرية، آخذين بعين الاعتبار الفرق بين النمو والتقدم أو التطور.

بناء على ذلك، نعتقد أن الجهة الأجدر لمراقبة تحقق معايير الجودة السياسية هو الشعب، لأنه من يختبر أداء الحكومة يومياً، من حيث توفيرها للخدمات وصونها للحقوق وتعزيزها للعدالة الاجتماعية. وهنا، ووفقاً لما تقدم، يمكننا الحديث عن الجودة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث نوعية الحياة، وتحقيق الحياة الكريمة للمواطن والمقيم على حد سواء.