ما أجمل أن تحقق النجاح في عملك وتخدم مجتمعك وبيئتك وتسهم في صناعة مستقبل أفضل للأجيال القادمة في وقت واحد. أن تكون واحدًا مِمن يقررون مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها البشرية، وتحويلها إلى فرص ومشروعات على أرض الواقع تحقق التنمية والازدهار للجميع.

وفي الواقع، إن قضايا البيئة والمناخ واحدة من الأمور التي تشغلني، بل وتقلقني، كما هو حال الكثيرين، وكان أن التقيت قبل نحو خمس سنوات مع عالم كيمياء كبير، لتبدأ بيننا علاقة عمل مثمرة، وينهض كل واحد فينا بإخلاص بدوره في توفير حل لمشاكل الانبعاثات الكربونية والمخلفات الصناعية.

وتطلب الأمر عملا كبيرا وضخ استثمارات والكثير الكثير من التجارب والأبحاث، ويمكنني أن أزف البشرى للجميع بأن المشروع حقق نجاحًا فاق التوقعات، واستطعنا أن نسجل أربعة اختراعات، وبعد ذلك قررنا إنشاء مصنع تجريبي اكتمل والحمد لله، ونحن الآن بصدد أخذ الموافقة النهائية من الجهات المعنية كي نبدأ بتقديم هذه الحلول غير المسبوقة على مستوى العالم في مجال معالجة الانبعاثات الكربونية والمخلفات الصناعية.

وكلي سرور بالبدء بالعمل مع شركاتنا الوطنية الكبرى، مثل بابكو وألبا وجيبك وغيرها من الشركات الصناعية بشكل خاص في تطبيق هذه التقنية، ومساندة الجهود الوطنية في وصول مملكة البحرين للحياد الكربوني في العام 2026، الهدف السامي الذي أعلن عنه الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء في أكتوبر من العام 2021، والذي كان نقطة محورية في تنسيق العمل بين الجميع: حكومة وقطاع خاص وأفراد باتجاه تحقيق الهدف.

ومن خلال رحلتي في هذا المشروع، يمكنني القول إنه ربما يعتقد البعض أن تبني نماذج أعمال تحافظ على البيئة يؤدي إلى تحمل الأعمال تكاليف إضافية، من خلال الالتزام باستخدام مصادر طاقة نظيفة، أو تكرير المخلفات مثلا، لكن في الواقع إذا نظرنا إلى الصورة الأشمل سنرى أن التحول في الأعمال نحو الحفاظ على البيئة والمناخ يولد فرص عمل هائلة في مجالات التقنيات الخضراء والابتكار، ورجل الأعمال أو صاحب القرار في شركة خاصة الذي لا يرى هذا التحول منذ الآن سيتخلف عن الركب.

في الواقع، لا يمكن لرجل الأعمال أو التاجر التخلي عن تطوير أعماله بما يلبي تطلعات الأسواق والمستهلكين الحالية والمستقبلية، بل ويقود التطوير في هذه الاتجاهات، لكن لا يمكنه أيضا التخلي عن مسؤوليته تجاه مجتمعه وتجاه القضايا الإنسانية الكبيرة مثل البيئة والمناخ.

وإن تحمل الشركات والأعمال والقطاع الخاص مسؤوليتها تجاه البيئة ليس أمرا جديدا، وإنما يندرج تحت ما كان يسمى سابقا «المسؤولية الاجتماعية للشركات»، والآن تطور هذا المفهوم حتى بات يندرج تحت مصطلحات مثل «الحوكمة والشفافية والنزاهة والبيئة»، والتي يمكن اختصارها جميعا بمصلح «الاستدامة»، والمستمد من صلب الأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة ويطمح العالم في الوصول لها العام 2030.

ولقد باشرت مملكة البحرين عملية تخفيض الانبعاثات بالتوازي مع جهودها نحو تنمية الاقتصاد الوطني في إطار رؤية البحرين الاقتصادية 2030 من خلال وضع النمو النظيف والأخضر والمستدام كمرتكزات رئيسية فيها. وبذلك، ستتبنى المملكة اقتصادًا دائريًا للكربون مدعومًا بخطط تحييد مختلفة تشمل على سبيل المثال لا الحصر تقنية احتجاز الكربون والتشجير.

ولقد ذكرت في مقال سابق أنه ليس هناك إجماع عالمي جاد حتى الآن تجاه دعم قضايا البيئة والمناخ، ولم يقدم زعماء العالم المؤثرين الحد الأدنى من التنازلات اللازمة من أجل ذلك، ولم نتخلَّ نحن كشعوب عن جزء من احتياجاتنا من الصناعات وغيرها، والتي قد تكون ملحة؛ حتى نحافظ على استدامة البيئة لنا وللأجيال القادمة، وهذا كله يبرهن على أن جشع الإنسان، وتغليب مصلحة الأفراد والجماعات على مصلحة البشرية ككل.

نعيش اليوم تقلبات مناخية عنيفة، درجات حرارة مرتفعة جدا على مدار العام، وحتى في الشتاء، وفيضانات في دول، وجفاف في دول أخرى، بما فيها الدول الأوروبية، لكن مع الأزمات المترابطة في العالم، وعلى رأسها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتضخم الجامح وخطر وقوع ركود وأزمة الطاقة مع تجدد الدعم لمصادر الطاقة الأحفورية، وأزمة الغذاء، باتت أزمة التغيير المناخي مع الأسف ليست ضمن أولويات دول العالم. ولا شك أن الكبار هم الأكثر مسؤولية، خاصة إذا عرفنا أن الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مسؤولون بشكل مشترك عن أكثر من نصف الانبعاثات العالمية.

يجب أن تكون حربنا من أجل الطبيعة، وليس عليها، وأن ندرك أن غضب الطبيعة كارثي. إنها أم حنون تحتضن أطفالها وتطعمهم، لكنهم يرتكبون خطأ كبيرا إذا اعتقدوا أنها لا تغضب منهم وعليهم، وتزأر وتلفظهم، وهذا كلام منطقي وليس عاطفيًا، ويجب أن يكون العالم مخلصًا لالتزاماته تجاه البيئة، وهناك الكثير من المرجعيات في هذا الصدد من بينها اتفاقية باريس للمناخ في العام 2016، وأن تدعم الدول الغنية الدول الفقيرة الأكثر تأثرًا بالتغييرات المناخية، لا أن يعد الكثير بالكثير، لكن القليل يفعل القليل.

الحقيقة أنه لا يوجد مجال للتأخير في معالجة قضايا تغير المناخ، ولا بد من معالجة جدية وسرعة للقضايا التي تهدد كوكب الأرض مع ما يشهده من كوارث طبيعية، والعمل الجاد من أجل معالجة أزمة المناخ والاحترار العالمي، وينبغي لجميع البلدان أن تقدم أهدافا مناخية منقحة ومحسنة هذا العام.

ولا يمكننا إلقاء المسؤولية كاملة على الحكومة، أو على الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، أو المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الدولية، كما أنه لا يمكننا التقليل من آثارنا السلبية أو الإيجابية كأفراد، لأن الحفاظ على البيئة مسؤوليتنا جميعا، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

في الواقع الكل يعرف ما هي المشكلة، إنها الانبعاثات الكربونية التي يتسبب بها البشر بالدرجة الأولى، والنصر في حربنا على الكربون يتطلب خوض الكثير من المعارك، من بينها المعركة الأساسية في التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وتخفيض انبعاثات الكربون، وما آمله أن أكون واحدا من فرسان هذه المعركة والمنتصرين فيها.