تعتبر عملية الابتكار والإبداع عملية صعبة، لكنها متاحة للجميع، والحال يشبه تماماً إنتاج الأفكار، خاصة أننا كائنات ميزها الله بالقدرة على التفكير. ومع أننا جميعاً نفكر، إلا أن الأفكار الخلاقة، أو المبدعة، أو الثرية، أو تلك التي تعالج المشكلة، أو التي تساهم في تنويع وتخفيف وتسريع وتيرة الأعمال، وبالتالي تزيد الأرباح والإنتاجية، تبقى أفكاراً نخبوية وعصية على الجميع، ولا يتميز فيها إلا قلة، والسؤال: لماذا؟ هل لأنهم يملكون عقولاً مختلفة؟ أم تراهم يتميزون بالعبقرية؟ والإجابة بالنفي، فلا هم عباقرة، ولا يتميزون بأية خصلة ذكاء تجعلهم منفردين بالأفكار المبدعة.

ولعل السبب يكمن في الاستعداد والإلمام، وأيضاً في الخبرة والمعرفة، ثم في سعة البال، وقد يكون السبب في الطريقة التي ينهجونها للنظر نحو المعضلة أو الدافع للتفكير الذي يساهم في حل المشكلة.

لا يمكن أن تفكر في حلول وتضع مبتكرات ملهمة دون معرفتك بمختلف التقاطعات، فضلاً عن خبرتك في مجال العمل، وما يحتاجه. نعلم جميعنا أنه عندما يتم إحضار شركة استشارية لتقدم حلول لبعض المهام والأعمال، فإن تلك الشركة تأخذ وقتاً في عمل لقاءات مع المديرين ورؤساء الأقسام، وكأنها تدخل في دورة تدريبية، تحاول خلالها الإلمام بالمهام الوظيفية من الألف حتى الياء، وهذا بديهي، فلا يمكنها وضع حلول، وأن تقدم مقترحات للتطوير ومعالجة الصعوبات، دون فهم وعلم بمختلف جوانب العمل وآلياته. الحال نفسه ينطبق عليك، كموظف، إن أردت التميز، فلا بد من أن تفكر ملياً في مختلف أوجه العملية الوظيفية، وتفرعاتها، وبمختلف التحديات التي تواجهكم في بيئة العمل، وأن تفتح الذهن والتفكير، حتى خارج وقت العمل.

أختم بكلمات معبرة للمؤلفة ناديا شنتزلر، جاءت في كتابها الذي حمل عنوان: «ماكينة الأفكار، كيف يمكن إنتاج الأفكار صناعياً؟»، إذ قالت: «تتميز الفكرة الجيدة حقّاً بأنها بسيطة، وغير متوقَعة، ومناسبة. وهي تضم جميع المتناقضات، فيجب أن تنطوي على قدر كبير من المُجازَفة، وتظل مع ذلك سهلة التنفيذ. يجب أن يتحدث الجميع عنها، ولكن ينبغي ألّا تثير حنقَ العملاء الحاليين. ينبغي أن تكون سليمة علمياً وأكاديمياً، وفي نفس الوقت مُبتكَرة للغاية».