مع تولي رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد «هرتسي هاليفي» مهامه في قيادة الجيش، فإن السؤال المطروح: هل يستطيع هذا الجنرال بتاريخه العسكري الجيد أن يخرج الجيش الإسرائيلي من حلبة السياسة والحزبية؟ هذا السؤالب يطرح نفسه في ظل وجود حالة من الانقسام الكبير داخل قادة الجيش بالفعل، وفي ظل اتهام الحكومة الإسرائيلية بالتدخل في مسار ومهام الجيش بدليل تعيين وزيرين في وزارة الدفاع الأول «يواف جالانت» والثاني، وهو رئيس حزب «الصهيونية الدينية» المتطرف بتسليل سموترتيش، والذي حصل على صلاحيات حقيقية بناء على اتفاق الشراكة مع رئيس الوزراء نتنياهو، وبما سيمثل من تحديات حقيقية على الاستقرار المنشود في داخل الجيش، وفي ظل صراعات الحياة السياسية وتقلباتها الكبرى، والتي يمكن أن تؤثر على مسار العمل العسكري، والمخاوف من تهديد الجبهة الداخلية.

اليوم - وبرغم رسائل التطمينات الكبرى بأن هناك قيادة واحدة للجيش، وأن رئيس الأركان هاليفي هو المسؤول المباشر، إلا أن الواقع يشير إلى أنه وبرغم التأكيد على قوة الجيش الإسرائيلي، وقدرته على الحرب على أكثر من جبهة، وأنه قادر على خوض حرب في مواجهة ما يحيط بإسرائيل من مخاطر سواء من تنظيمات أو جيوش دول، فإن الواقع الحقيقي ليس كما هو معلن في الجيش وإعلامه العسكري، وفي ظل تشتت القيادات العسكرية بين السياسة، ومهامها وتدخل القيادات الحكومية الجديدة في حكومة نتنياهو في شؤون الجيش الإسرائيلي، وتجاوز ما يجري في ظل مراهنات حقيقية على ما يجري من أمور تفصيلية تخص الاستقرار في الجيش، فما زال الخطر الإيراني كما يرى الجنرالات الكبار قائماً، وقد تحتاج إسرائيل إلي الدخول في مواجهة عسكرية ربما تبدو مستبعدة في الوقت الراهن مع استمرار اعتمادها على وسائل استخباراتية قد تكون هي الحل المؤقت، وليس الدائم الأمر الذي يتطلب بالفعل الاستمرار في تبني الإجراءات العسكرية باعتبار إيران الخطر القريب والمحتمل وفقا لمقاربة قادة الجيش مع الاختلاف حول وسائل التعامل الحالي، وهناك تقدير بأن المواجهة مع «حماس» واردة، وأن مواجهة «حزب الله» محتملة.

وبرغم الحديث الإعلامي لقادة الجيش بأن هناك قوة ضاربة حقيقية ممثلة في الخطط العسكرية والاستباقية والقدرة على الردع والاشتباك إلا أن الواقع يؤكد أن الجيش الإسرائيلي ما زال يجري أكبر عملية تطوير في تاريخه بناء على خطط استشرافية ومنها خطط ماعوز وتيفن وجدعون، والتي تتم منذ سنوات مع التقدير بان الجيش الإسرائيلي ما زال يعاني من إشكاليات عدة، فأعلى نسب انتحار في الجيوش توجد في الجيش الإسرائيلي، وأعلى نسبة تسرب من أداء الخدمة الإلزامية توجد أيضا في الجيش الإسرائيلي إضافة لمعدلات السرقات للأسلحة في مخازن الجيش، ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي يطمح في إجراء أكبر عملية تحديث كامل، و التحول إلي جيش ذكي قوامه 100 ألف مقاتل في ظل الاعتماد على أحدث أنماط في الاشتباك،والاستهداف ومواجهة المخاطر، ولكن الإشكالية الحقيقية مرتبطة بالقراءة الحالية والمستقبلية لما هو متوقع في تعامل الحكومة الإسرائيلية، وما يجري من حالة من التذمر المكتوم والمتعلقة بصراع مستمر في إطار المخصصات المالية الممنوحة للجيش وتوجيه المصادر إلي مجالات أخري، وهو ما سيدفع لمزيد من التوترات الدائمة.

سيستمر الجيش في التعامل مع مشهد سياسي مرتبك، وهو ما سينعكس في مجمل المواجهات المقبلة التي قد يتعامل معها الجيش الإسرائيلي، وتتطلب قدرا كبيرا من العمل والاستعداد لمواجهات قد تحدث في البحر الأحمر وشرق المتوسط، وعدم الارتكان إلى الوضع الراهن والقابل للتغيير الأمر الذي يتطلب بالفعل التعامل مع المستقبل حيث التركيز على وضع خطط مستقبلية، وهو ما يضعه رئيس الأركان الجديد على رأس مهامه بصرف النظر عن حالة الصراع الراهن داخل وزارة الدفاع والتحذيرات التي يطلقها الجنرالات السابقون من أن حالة التجاذب يجب أن تتوقف. ومن ثم فإن أكبر مشكلة تواجه إسرائيل تكمن في تحديث قواتها البرية والانتقال إلى خطط شاملة للحسم العسكري، وتطوير أنظمة الدفاع بخلاف التحديث الراهن الجاري بالتنسيق مع الولايات المتحدة والخاص بمنظومة القبة الحديدية، ومراجعة برامج «حيتس» إضافة للنظام الجديد قيد التجريب، المعروف باسم السماء الحمراء.

سيواجه إذن القادة الجدد في الجيش الإسرائيلي بتحديات حقيقية، والأمر يتجاوز تعيين وزيرين للدفاع وإعادة ترتيب أولويات الشراكة وبنودها، ومحاولة تسييس الأوضاع في الجيش، وإدخاله في أتون الصراعات السياسية والتي ولن تتوقف، وإنما الأمر سيتعلق بأي مواجهة ستخوضها إسرائيل في ظل بيئة إقليمية متوترة.