يستذكر معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته لهذا العام الذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب والفكر العربي طه حسين، الذي أسس سؤال النهضة في مرحلة مبكرة من تاريخنا المعاصر، وهي بالتأكيد المرحلة التي لن نصلها كعرب مستقبلاً، لأننا فضلنا أن ندافع عن قطع الرؤوس، بدلاً من قطع ثمار الفكر، وهو ما تنبأ به الشاعر نزار قباني وهو يلقي قصيدة في رثاء طه حسين الذي توفي في " 28 " من تشرين الأول عام 1973 :

إرم نظارتيك... ما أنت أعمى

إنما نحن جوقة العميان وعد الينا فإن ما يكتب اليوم

صغير الرؤى... صغير المعاني

في كل مرة نعود فيها لكتب طه حسين، نسأل أنفسنا: كيف قرأنا أعمال هذا المفكر؟، وبأية أحاسيس ومشاعر تعيش معنا؟، وكيف أضاء طه حسين حياتنا؟، ربما يبدو السؤال ساذجاً خصوصاً بعد مرور أكثر من قرن على حضور طه حسين في المشهد الثقافي، وهو ما يجعل البعض يقول إن أفكاره أصبحت من الماضي، الأمر الذي جعل محمود أمين العالم يكتب: "إن مجموعة كتبه التي صدرت بعد الحرب العالمية الثانية، إنما هي نموذج رائع للمشاركة الفعالة في التعبير عن الحياة الاجتماعية بل وصياغتها كذلك، وبهذا المعنى نعتبر الدكتور طه حسين فيلسوفاً، فإن حياته هي فكره، وفكره كان حياته دائماً، وكانت حياته وكان فكره، حياة وفكراً للثقافة العربية لأكثر من نصف قرن، وستظل هذه الحياة وهذا الفكر منارة ملهمة وهادية لنا ولأجيال عديدة من بعدنا" – الإنسان موقف –

في مرحلة مبكرة من حياته يقف طه حسين ضد الجهل وعبودية دولة الخرافة وفي كتاب صغير بعنوان "من بعيد" صدر عام 1935 ، لم ينتبه إليه القراء كثيراً حيث طغى " الأيام" ومعه "في الشعر الجاهلي" على كتاباته الأخرى، نجده يواجه التزمت الديني مواجهة جذرية، ويهاجم بعنف مناهج الأزهر التعليمية، وجهل شيوخه، وكان في ذلك يؤكد على فصل الدين عن الدولة، وعلى سيادة العلمانية. ويؤكد طه حسن أنه بدون الحرية لن يكون بوسعنا المضي في مشروع المستقبل وهو مشروع إشاعة التعليم.

طه حسين الذي أضاء حياتنا بوصفه مثقفاً جمع بين الفكر والممارسة في وحدة متماسكة، قدم لنا المثل لما ينبغي أن يكون عليه المثقف والكاتب في بلدان يسيطر عليها التخلف والتبعية للماضي. وطوال حياته التي بلغت الـ"84" عاماً خاض معاركه قولاً وفعلاً، لم يتعب أو يستكين، تنقل من معركة إلى معركة، وكل معاركه هدفها إشاعة التعليم وتحرير العقول وتحديث المجتمع.