تمزقت ألما على ضحايا الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا. شيوخ وأطفال وشباب، رجالا ونساء، أيقظتهم قبل الفجر نحو أربعين ثانية من الاهتزازات العنيفة، وتركت جزءا منهم في العراء، وجزءا آخر تحت الركام. رحمتك بهم وبنا يا رب.
ما يزيد الألم هو عدم قدرة منظمات الإغاثة وطواقم الإسعاف على الوصول بفعالية إلى المنكوبين وتقديم العون لهم بسبب الوضع السياسي المعقد شمالي سوريا، وعدم وجود سلطة واحدة معتمدة معترف بها يمكن التنسيق معها، فيدخل الحابل بالنابل، وينزف الناس دما وجوعا وبردا دون أن يصل لهم من يستطيع تضميد جراحهم وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.
تلفزيونات العالم تبث مشاهد تدمي القلب لأطفال عالقة تحت أنقاض الأبنية، وآخرين هائمين على وجوههم يبحثون عن عائلاتهم في أكوام هائلة من الإسمنت، والناس ما زالوا هناك يعيشون في رعب حقيقي، لدرجة أن كثيرين منهم يتجمعون في سياراتهم في ساحات عامة فسيحة، خوفا من انهيار المنازل والعمارات، والوضع مأساوي خاصة في ظل سوء الأحوال الجوية وتساقط الأمطار بغزارة، حيث حتى لو خرجت من المنزل خوفا من حدوث زلزال جديد، فلا يمكنك البقاء طويلا في الخارج بفعل البرد الشديد والمطر المتساقط بقوة، وما يزيد الناس هلعا وتوترا هو حجم الدمار الواسع الذي حل بالعديد من المناطق السورية الأخرى والمشاهد الكارثية الواردة من هناك.
وكأن الناس في هذه المنطقة من العالم، خاصة بشمالي سوريا ينقصهم معاناة فوق معاناتهم وجوعا فوق جوعهم وبردا فوق بردهم. لقد عانوا ولا زالوا من عشر سنوات من الحرب، سقطت عليهم خلالها كل أنواع القنابل والقذائف وحتى البراميل المتفجرة، وفقدوا أعزاء لهم، بل أجزاء من جسدهم وأطرافهم، وفقدوا أيضا منازلهم وأراضيهم وسبل عيشهم، ونزحوا إلى مناطق أخرى طلبا للأمن والمأوى، ليأتي هذا الزلزال ويقول لهم: إذا سلمتم من القذائف التي انهمرت عليكم من السماء فلن تسلموا من الهزات التي تصعد لكم من باطن الأرض.
لقد كشف انقشاع ظلام الليل في سوريا عن كارثة حقيقية صباح اليوم التالي للزلزال، حيث لم يشهد المواطنون السوريون سابقا زلزالا بهذه الشدة منذ سنوات طويلة، لكنهم شهدوا طبعا الكثير الكثير من الأهوال خلال العقد الأخير، ليس من بينها حتى الآن زلزال، وربما لم يبق على قائمة الأهوال التي تنتظرهم سوى البركان أو الطوفان.
ما يزيد الأمور سوءا في سوريا هو غياب حكومة قوية تفرض سلطتها على جميع أراضي البلاد وتستطيع التقليل من الأضرار، وهذا ما يجعل الناس هناك تدفع الثمن مضاعفا. صحيح أن جنوب تركيا أيضا كارثي بسبب الزلزال، لكن ما يخفف على الناس أن بلدهم قوي استطاع أن يحشد حملات إغاثة ويجهز فرق إنقاذ وتدخل سريع. يا ويلاه، أبكي على تركيا، وعلى ما حصل، ولكن بكائي على سوريا أكبر.
موضوع آخر أستغرب منه، وهو أننا لا زلنا مع كل نكبة ونكسة وكارثة تحصل، نترك الواجبات التي يجب القيام بها على أرض الواقع، ونبدأ بالحديث عن ترهات لا تسمن ولا تغني من جوع، ونملأ الواتساب والفيسبوك والإنستغرام بنقاشات حول مسؤولية هذا الطرف أو ذاك، بل إن البعض يذهب للقول إن الزلزال عقاب إلهي نتيجة سيئات ارتكبها ضحاياه!
كما أننا لا نترك مجالا للعلماء ليقولوا كلمتهم، ويضيع علمهم ودراساتهم والنصائح والإرشادات التي يقدموها لنا، بين أكوام أحاديث وقصص يقوم البعض بتأليفها حول الزلزال وارتداداته وكيفية التنبؤ بها. وأنا في الواقع لو كنت أقطن في الأماكن التي ضربها الزلزال شمالي سورية لسلمت أمري لله عز وجل راضيا بمشيئته.
هل رأيتم الفيديو الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي وتظهر فيه طفلة سورية تحت الأنقاض وهي تضع يدها فوق رأس شقيقتها وتحتضنها إلى صدرها، وتتحدث مع أحد المسعفين، الذي سألها عن أختها آية الصغيرة والألعاب في محاولة لتهدئتها لحين انتشالهما؟!
الواقع إن آلاف الأطفال والأسر عرضة للخطر بعد الزلزالين المدمرين وعشرات الهزات الارتدادية، والصور التي نراها من سوريا وتركيا تدمي القلب، حيث إن وقوع الزلزال الأول في الصباح الباكر، عندما كان العديد من الأطفال مستغرقين في النوم زاد من خطورته.
وكأن هذا المشهد الدامي ينقصه شماتة الشامتين، حتى تقوم المجلة الفرنسية سيئة الذكر «شارلي إيبدو» بنشر صورة تظهر بناء مدمرا وترفقه بعنوان «زلزال في تركيا.. لا داعي لإرسال الدبابات». والمجلة من خلال ذلك تعبر عن حقد وكراهية تجاه المسلمين لدى شريحة ليست قليلة من الغرب، ليس السياسيين فقط، بل المواطنين في الشارع، وتكشف أيضا أن الدمار الذي يلحق بكثير من المناطق حول العالم ناتج عن الآلة العسكرية الغربية.
الغرب الذي يفترض أن يصغي لصوت العقل والضمير في آن معا، وألا يسمح للأصوات النشاز بأن تستغل الخراب وترتكب جرائم كراهية بحق المسلمين فقط لأنهم مسلمين. فلا يمكن بحال من الأحوال أن تواصل هذه المجلة الفرنسية ارتكاب جرائمها دون حساب، وإلا فإن «الساكت عن الحق شيطان أخرس».
في الختام، أود أن أقول إن مثل هذه الزلازل والكوارث تجعلنا نتوقف لبرهة عندها، نفكر فيها، نعيد تقييم حساباتنا ومواقفنا واعتقاداتنا، خاصة وأننا لسنا محصنين منها، كما لم نكن محصنين من جائحة كورونا مثلا.
ودعونا نمد يد العون للضحايا والمنكوبين، في سوريا وتركيا، إخوتنا في الإنسانية، وأن نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة البقاء في بيوتنا آمنين مطمئنين.
التعليقات