عندما رأى جاليليو القمر أول مرة بالتلسكوب، كان قد حقق فتحاً مهماً على عدة مستويات. فقد كانت النظرة السائدة آنذاك أن الأرض مركز الكون ليس بناء على معرفة مثبتة إنما بناء على تحليل مستنبط من نصوص موروثة فلسفية ودينية. كان المنهج المسيطر هو المنطق الأرسطي الذي يقتضي أن التحليل العقلي المجرد يكفي للوصول إلى الحقيقة دون الحاجة إلى المعاينة.

خرج جاليليو على المنطق الأرسطي بمجرد النظر في السماء مستعيناً بالتلسكوب. كانت الأخطاء التي جاء بها هذا المنهج فادحة ومضحكة أحياناً، كأن يقرر أرسطو أن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة، ولم يكن يحتاج أحد للبرهنة على خطأ هذا الادعاء إلا بالنظر إلى فم أي امرأة في الجوار. كان جاليليو يفعل ذلك بالضبط، كان ينظر إلى الكون ليعد الكواكب والنجوم وسرعان ما اكتشف خطأ نظرية الأرض مركز الكون التي قال بها أرسطو.

لم تكن لتمر اكتشافات جاليليو دون مشكلات. كانت مشكلته الأولى أن يثبت أن ما يُرى من التلسكوب حقيقي وليس خدعة بصرية. كان التلسكوب اختراعاً جديداً ولم يعتد عليه الناس، كما لم يكن جاليليو نفسه صانعاً ماهراً فهو بالكاد صنعه ووجهه إلى السماء. كان جاليليو مستعجلاً لمعرفته أنه ليس الوحيد الذي سيوجه التلسكوب إلى السماء كما فعل، بل إنه عندما فعل ذلك، تسابق إلى تقليده كثير من المحترفين والهواة. بالنسبة لجاليليو فإن السباق قد ابتدأ.

لم يكن التلسكوب الذي بيد جاليليو خالياً من العيوب، فهو يقرب الأجسام البعيدة لكنه ضيق الرؤية. فعندما وجه جاليليو التلسكوب إلى القمر لم يستطع رؤيته كاملاً، إنما رأى ربعه فقط. كانت المشكلة عند المشاهدين الذين يعرض عليهم جاليليو تجربة التلسكوب أنهم لا يستطيعون الربط بين ما يرونه بالعين المجردة وما يرونه بالتلسكوب. ظن بعضهم أن الظواهر التي يرونها مثل تعرجات سطح القمر ليست سوى بتأثير من العدسات التي لم تكن صافية تماماً.

عندما أصدر جاليليو كتابه الذي لخص فيه أطروحته التي نقض فيها نظام مركزية الأرض، واجه مشكلته الأكبر. مع الصعوبات التي واجهها في الاعتراف بالتلسكوب وسيلة لاكتشاف الفضاء، كانت فكرة مركزية الأرض فكرة مقدسة لدى الكنيسة. بعد رفضه التراجع عن أفكاره، حكم عليه بالحبس المنزلي عقوبة له على نشر الهرطقة. أمضى جاليليو بقيت حياته في الحبس المنزلي إحدى عشرة سنة حتى مات، معزولاً عن المجتمع وممنوعاً من نشر أفكاره أو تطويرها.

تغيرت حياة جاليليو باختراعه الذي كان مؤثراً في وقته، لكنه كان مثل جميع الاختراعات في البداية، بسيطاً وسهل الصنع وإن كان فعالاً. برهن جاليليو للناس على ما يمكن أن يتحقق بالمعاينة المباشرة. ومنذ ذلك الحين إلى اليوم انطلق الناس، أفراداً ومؤسسات، مصوبين عدساتهم الصغيرة والكبيرة إلى الفضاء لاكتشافه بالعين المجردة والتقنية الحديثة.