سيكون مدهشاً لو عرفنا أن السيدة فيروز، غنت قصائد لنحو ستين شاعراً، يعود بعضهم إلى العصر الجاهلي، ويليه العصران الأموي والعباسي، كما غنت لشعراء من الأندلس، بينهم ابن جبير، ابن زهر الحفيد، ابن زيدون، كما غنت لعشرات الشعراء المعاصرين. عدد كبير منهم من لبنان، بالفصحى، وكذلك بالعامية، كون أغنيات فيروز بالعامية جلها بالدارجة اللبنانية، ومن بينهم جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة، وبشارة الخوري، وجوزف حرب، وسعيد عقل، وقبلهم وبعدهم الأخوان رحباني، وتالياً ابنها زياد.

غنت فيروز أيضاً لشعراء من مصر وسوريا وفلسطين وتونس وغيرها من الدول العربية، ومن هؤلاء أحمد شوقي، بدوي الجبل، بديع خيري، عبدالكريم الكرمي، علي الحصري القيرواني، عمر الحلبي، هارون هاشم رشيد، نزار قباني، مرسي جميل عزيز، والقائمة تطول.

تشير خالدة سعيد في كتابها «يوتوبيا: المدينة المثقفة» إلى أن «فيروز تحفظ مئات القصائد، بين فصحى وعامية، بين قديم وجديد؛ ولا أعرف مثقفاً أو عالماً يحفظ هذا القدر». كما ترى أنها: «تحفظ هذه القصائد وتغنيها، أي تعايشها، تتغلغل فيها وتكتنه معانيها، تتذوق كلماتها، تطرب لوقعها، تعرف تاريخها وتلتمس أفقها ومرماها».

وحين سألت فيروز عمّن يكون أستاذها الأكبر، أجابت بأن أساتذتها كثيرون، وفي مقدمتهم عاصي،«لكن الأستاذ الذي وجّهني نحو النفس البشرية، نحو أسرارها وأحوالها هو الشعر».

نحن مستمعي الأغاني، لا نقف كثيراً أمام كتّاب كلماتها، لكن علينا أن نفعل، وسنختار اليوم نموذجاً، أغنية «جلنار»، طالما أن الحديث يدور عن فيروز التي ترنمت بكلماتها التي سنعرف أن قائلها هو الشاعر اللبناني ميشيل طرّاد، ونشرت في ديوان له حمل اسم القصيدة صدر في عام 1951: «يا صبح روّج طولت ليلك/ خلّيت قلبي نار/ بلكي بتجي أختك تغنّيلك/ بلكي بتجي جلنار/ صرخات عم بتموج بالوادي/ معنزق عليها ضباب/ لبعيد عم بتروح وتنادي/ بيظهر حبيبو غاب/ راعي بكي ومنجيرتو متلو/ بِكْيِت تَ يتسلّى/ خلّيك حدّي تَ يروق الجوّ/ ورندح وسمّعني/ ولمّن بيطلَعْلَك يا راعي الضوّ/ تبقى تودّعني/ وقّفت قلبي عالدرب ناطور».

وجلنار هو زهر الرّمان، الذي يشبه لونه لون الشمس، فهل ترى قصد الشاعر هنا متى تشرق الشمس، أم تراه عنى فتاة يعشقها غابت عنه؟، هكذا تسأل إحدى الصديقات، قبل أن تقول هي نفسها:«الجواب واضح في الجمل الختامية: «تَ فاق ألف نهار/ وعْيِت الشمس وزقزق العصفور/ وما إجت جلنار».