لقد قرأت تصريح لرئيس وزراء العراق السابق عدنان المالكي، بمجلة إيلاف الالكترونية، في يوم عيد السنة الجديدة لعام 2017، كتبه الدكتور اسامة مهدي،تحت عنوان المالكي يكشف اسرار لم تعرف عن إعدام صدام حسين، يقول فيه: "لمناسبة مرور عشرة أعوام على تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، في 30 ديسمبر عام 2006، والذي صادف أول ايام عيد الأضحى انذاك، قال نائب رئيس العراقي نوري المالكي ، رئيس الوزراء انذاك، والذي وقع على قرار تنفيذ الإعدام، انه هدد الأمريكان، الذين رفضوا تسليم صدام الى السلطات العراقية، بأنه سيقتحم سجنه بقوة عسكرية ويأخذه عنوة. وقال المالكي، خلال حديث عرضته قناة حزب الدعوة الذي يتزعمه "آفاق" امس وتابعته "ايلاف"، أنه كان مدركا بشكل جيد لما سماها بالمؤامرة التي كانت تحاك حول قضية صدام... وأشار إلى ان الكثيرين قالوا المالكي لا يريد إعدام صدام، وإنما الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش هو الذي أمر باعدامه. لكن أكد المالكي:"أن القضية لسيت كذلك، وإنما طلب الجانب الأمريكي تأجيل الإعدام 15 يوما، فقلت:أبدا .. يجب أن يعدم اليوم فقالوا أمهلنا إلى العيد، فأجبت لا، لابد أن يعدم قبل أن تطلع شمس نهار العيد." وشدد المالكي، الذي بدأ في طهران اليوم الأحد مباحثات مع المسئولين الايرانيين، على أنه كان مدركا، "بالرغم ان الكثير من الاخوان من خلفي كانوا في خوف وهلع شديدين من عملية الإعدام فقلت لبعضهم هامسا: غدا، إن لم نعدمه اليوم فسيخرجونه من العراق." وأضاف بأن حدسه كان صائبا حيث تم الكشف مؤخرا عن إتفاق من.. مجلس الأمن الدولي، على أن يصدر المجلس قرارا بالطعن في قانونية المحكمة الجنائية العليا، التي حاكمت صدام، ثم يتم نقله الى خارج العراق، حتى يستعدوا لجولات جديدة، بإعتبار انه رمز البعث، لذلك كان إصرارنا كبير، برغم أننا واجهنا تحديات كثيرة من هيئة الرئاسة العراقية." في اشارة إلى رفض الرئيس العراقي السابق جلال طالباني التوقيع على قرار الإعدام، والآخرين الذين رفضوا توقيع الإعدام، وبينهم وزير العدل، الذي هرب من التوقيع، إضافة الى الذين أبلغوه، بأنهم يخشون ان يكون الإعدام عملا خاطئا، بحسب قوله. 

كما أشار المالكي قائلا: "ولكن بحمد الله كانت عندي رؤية وحدس من عدم الإعدام.. وفعلا تم الكشف مؤخرا أن المخطط كان بفضل أموال ضخمة مدفوعة،يقضي بتهريب صدام من العراق.. وهذه هي قصة إعدامه الحقيقية فلم يكن هناك أي أمر من الخارج بأعدامه... حتى أني أبلغت الأمريكان، الذين كان صدام محتجزا في سجنهم، وليس سجن عراقي، إذا لم تسلموه إلينا الليلة، وكانت الساعة هي الثالثة بعد منتصف الليل، ساقود قوة عسكرية، وأذهب إلى السجن، وأخرجه منه بالقوة، حتى إذا تطلب الأمر الصدام مع الأمريكان... فتراجعوا عن موقفهم وسلموه إلى السلطات العراقية." وأكد المالكي الذي حكم العراق بين عامي 2006 و2014 قائلا: "لقد إنتزعنا صدام من كل الإدارات التي كانت تتآمر لإنقاذه.. ليس لأن صدام مهما، وليس لأن إعدامه سيعوضنا عن دماء الشهداء من اهلنا وابناءنا وعلماءنا .. ولكن لتنفيذ حكم الشعب." وأوضح بأنه بعد تنفيذ حكم الإعدام بصدام في تلك الليلة، في الثلاثين من ديسمبر عام 2006، جلبوا جثته إلى قرب منزله، فطلب منه البعض من إلقاء نظرة عليها.. وإستطرد المالكي بالقول: "ذهبت لنصف دقيقة، فتم فتح باب سيارة الإسعاف، التي تنقل الجثة، فالقيت عليها نظرة سريعة وقلت: ماذا ينفعني اعدامك هل يعيد لنا الصدر، أو يعيد لنا بقية الشهداء.. ثم غادرت المكان." 

ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: ألم يصدق سعادة نائب رئيس االعراقي، نوري المالكي، حينما قال وهو ينظر لجثة صدام حسين: "ماذا ينفعني إعدامك؟"هل فعلا لم يفد المالكي، ولم يفيد العراق هذا الإعدام؟ وماذا حدث لو أن المالكيوافق الأمريكيين، ومنع شنق الرئيس صدام؟ للإجابة على هذا السؤال، ليسمح لي عزيزي القارئ الرجوع لمقال سابق، كتبته في الأسبوع الأول، بعد شنق الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وبعد أكثر من سنة من وصولي إلى اليابان في شهر اغسطس من عام 2005، وبعد أن ترقبت قبل عقد من الزمن بحزن وألم ما سيحدث في العراق، وقد كان ذلك المقال بداية مقالات، "عن مفكرة سفير عربي في اليابان"، والذي نشر في شهر يناير من عام 2007، بصحيفة أخبار الخليج، ومجلة إيلاف الألكترونية، وصحيفة الأهرام العربي، ويقول المقال: 

"مضى على عملي كأول سفير لمملكة البحرين باليابان أكثر من عام ولم تتوفر لدي الجرأة حتى الآن لأكتب عن التجربة الغنية لهذا البلد الجميل. ولكن مع ما تابعته مؤخرا من نقاش في الصحافة العربيه والبحرينية عن العراق والرئيس الراحل صدام حسين شدني لأمسك بالقلم، وأحاول بهذه المشاركة المتواضعة. وأعتذر مسبقا إذ تجاوز قلمي أدب الكتابة، أو غاب عن تفكيري بعض الحقائق،لبعدي عن المنطقة. وقد لفت نظري في اليوم الذي قررت الكتابة فيه مقال في جريدة اليابان تايمز يوم السابع من يناير الحالي لعام 2007، للأسقف دسمون توتو، يقييم فيها تجربة دولة جنوب إفريقيا في التعامل مع التفرقة العنصرية،والنجاح الذي حققته في تأسيس دعائم الديمقراطية. فقد تصور الكثيرون بأن الإصلاحات الجديدة ستنهي بالبلاد إلى الخراب وحمامات الدم، ولكن تحققت الديمقراطية بالرغم من بعض التحديات. وقد تكون المعجزة الأساسية في نجاح هذه التجربة هي الذكاء العاطفي الخارق للرئيس نيلسون منديلا، والذي برز من خلال روح التسامح، وطهارة القلب من الحقد والانتقام، والأيمان بأهمية الوقت،والرؤية المستقبلية لإمكانية التطوير. إضافة للدور الذي لعبه شعبه في الإنضباط والإلتزام بالأخلاقيات الإنسانية وروح التسامح. ولا شك للدور الذي لعبته لجنةتقصي الحقائق والتوافق التي سمحت لمرتكبي الجرائم الكبيرة في نظام التفرقة العنصرية للإعتراف بأخطائهم، والإعتذار عنها، وإراحة ضمائرهم منها، أمام اللجنة لتجنب المحاكمة والمحاسبة المستقبلية. أن الحقيقة والتسامح، وليس العقاب والانتقام، هو الذي أدى إلى التئام جروح ظلم وعذاب السنوات الطويلة. وبتأسيس هذه اللجنة أكد شعب جنوب أفريقيا على إصراره الحقيقي للانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.

وقد كانت لنا فرصة تاريخية لمراجعة تجربة العراق من خلال التجربة الإفريقية السالفة الذكر، مع المفارقة الكبيرة بين التجربتين. فهل ضيعنا فرصة أخرى لالتئامالجراح، وتوحيد الكلمة، ولدراسة نقدية إلى الواقع العربي؟ وهل كان من الممكن أن نحول بكائنا على الماضي وإنتقامنا من المستقبل إلى الوقوف أمام الأسباب،ومحاولة الوقاية منها، لنتمكن أن نبني مستقبل أطفالنا؟ وهل سألنا أنفسنا عن الأسباب التي تؤدي لبعضنا بتجاوز الخطوط الحمراء؟ وما هي مسؤولية كل فرد منا في هذه النكسات الواحدة تلو الأخرى؟ وهل كنا نحلم بما تعيش فيه المنطقةاليوم من أوضاع سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية؟ وهل تعاملنا مع مشكلة إسرائيل بتمعن ودراسة، أم بعواطف متشنجة وقرارات وحروب سريعة غير مدروسة؟ وقد تساءلت مجلة دي إيكونوميست البريطانية في إحدى افتتاحياتها السابقة بقولها، مع أن العرب لديهم اللغة والتاريخ والثقافة والديانة المشتركة بالإضافة للموارد البشرية والطبيعية اللازمة لبناء الجمهورية العربية المتحدة، فلماذا تستمر حالة البؤس والتفرقة من السيئ إلى الأسوأ؟

قد يكون ما يجري في المنطقة اليوم قريب من تجربة اليابان بعد دمار الحرب العالمية الثانية مع بعض المفارقات. ولقد سنحت لي الفرصة بوجودي في اليابان،لدراسة طبيعة هذا الشعب، والتعرف على تاريخه وثقافته واقتصاده. فاليابان عبارة عن أرخبيل يتكون من ثلاثمائة واثنين وأربعين جزيرة، مساحتها الكلية ثلاثة مائه وثمانية وسبعون ألف كيلومتر مربع، ومعظمها جبال، وحوالي 5% منها مكتظة بالسكان، و12.7% منها أراضي زراعية. وتتعرض اليابان لأكثر من إلف ومائتين هزة أرضيه سنويا. وطبعا المباني مصممه لمقاومة الزلازل الشديدة. كما أن الموارد الطبيعية، كالبترول والغاز الطبيعي شبه معدومه في اليابان. وعدد السكانحوالي المائة وسبعة وعشرين مليون نسمه، ويمثل من هم فوق الستون عاما حوالي 27% من السكان. وتعتبر اليابان ثاني قوة اقتصادية في العالم، وتمثل الطبقة المتوسطة 77% من السكان. ومتوسط الدخل في اليابان حوالي خمسونألف دولار سنويا، والناتج المحلي الإجمالي السنوي حوالي أربع ونصف تريلون دولار. وهناك تأمين لكل مواطن للرعاية الصحية، وإصابات العمل، والبطالة، ونظام تقاعد، بالإضافة للتعليم المجاني والإجباري حتى السن الخامسة عشر. وأول ما يلفت نظر السائح في اليابان هو أدب التعامل والاحترام من قبل اليابانيين،بالإضافة إلى الأسلوب الهادئ والمهذب في طرح المواضيع، والابتعاد عن مواضيع الخلاف في المناقشة، ومع الاحترام الكبير للوقت، والقدسية للعمل، والالتزام بأخلاقيات المتاجرة.

ولو درسنا نجاح التجربة اليابانية بدقة، لوجدنا بأن سر هذا النجاح هو الإستثمار في الإنسان. ولنستفيد من هذه التجربة نحتاج أن نستثمر في تطوير القوى البشرية في المنطقة، وطبعا خطوتنا الأولى ستكون تقيم التعليم. فلنسأل ما دور التعليم في الوطن العربي في ما نحن فيه اليوم؟ هل يطور تعليمنا الذكاء الذهني، والذكاء العاطفي، والذكاء الاجتماعي؟ هل يطور تعليمنا ملكات التحليل الذهنية؟ هل يطور تعليمنا ملكات القراءة الناقدة الموضوعية؟ هل يطور تعليمنا قوة الملاحظة، وكثرة التساؤل، وعمق البحث، في تحدياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ هل يطور تعليمنا أخلاقياتنا من خلال العبادات، أم يحول العبادات لطقوس متكررة، تسمح بالاتجار بالدين، وإخافة البشر، والإستفادة منه في السياسة؟ وهل يمنع تعليمنا الإنتقام من الإساءة، ويعلم التسامح عنها، ويبحث عن معرفة الأسباب، لعلاجها، ومنع تكرارها؟ ويذكرني ذلك بخطاب الرئيس الأمريكي رتشارد تكسون يوم تقديم استقالته، حينما قال: "الأشخاص الذين يظنون بأنهم يكرهونك، يوم أن تكرههم، تكون أنت الخاسر وهم الفائزون."

وليسمح لي القارئ الكريم أن أعرج على تجربة اليابان مرة أخرى. ففي عام 1945 نشرت أحدى الجرائد اليابانية رسالة لأب كتب يقول فيها: "حينما تصل هذه الرسالة لجريدتكم الموقرة أكون قد فارقت الحياة، حيث لا أستطع المعاناة أكثر. فلدي خمسة أطفال ولم أستطع أن أقدم لهم الطعام أكثر من أسبوع، كما أن زوجتي فاقدة الوعي وفي طريقها لمفارقة الحياة من شدة الجوع، وقد طلبت من جيراني بملاحظة أطفالي وقررت الانتحار." كما أرسلت شابة رسالة أخرى لنفس الصحيفة تقول فيها: "بقيت أسبوعا أعاني من الجوع، وفراشي حشائش الحديقة، وبعد المعاناة الطويلة أتى شخص في المساء، وقدم لي القليل من الأرز، وتكررت نفس الحادثة ثلاث ليالي متتالية، وفي الليلة الرابعة أخذني معه في دهاليز الظلام." هاتين الرسالتين تعطينا فكرة عن مدى الجوع والفقر والعوز الذي كان يعانى منه الشعب الياباني بعد الحرب العالمية الثانية. والسؤال الذي يطرح نفسهكيف إستطاعت اليابان خلال خمسون عاما أن تتحول من دمار الحرب، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم؟ كيف حول اليابانيون هزيمة الحرب إلى إنتصارمستقبلي، والعداء الأمريكي إلى فرصة نجاح حقيقية؟ كيف أستطاع اليابانيون أن يضعوا أيديهم في يد عدو الحرب، لبناء اليابان الحديثة، ويستفيدوا من الديمقراطية الأمريكية، لخلق المعجزة الاقتصادية؟ وقد نسأل أيضا كيف تعامل اليابانيون مع الاحتلال الروسي للأربع الجزر في شمال اليابان قرابة انتهاء الحرب؟ح

لم يضيع اليابانيون الوقت في الإنتقام من الأمريكيون، بل استفادوا منهم لبناء تكنولوجيتهم المتطورة. ولم ينتظر اليابانيون لتغير الدستور الذي فرض عليهم من أعدائهم بعد الحرب حتى يبدأو العمل، بل عملوا من خلاله، لتطوير ديمقراطيتهمالحديثة، مع تحفظاتهم الكبيرة على العديد من بنوده. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون: ما السر في الشخصية اليابانية التي حولت العداء الأمريكي إلى فرصة سانحة لبناء اليابان من خلال علومه وتكنولوجياته؟ وسؤالي الأخير هل نستطيع الاستفادة من هذه التجربة الرائدة، والتي تحدياتها قريبة للتحديات التي نعانيها اليوم في المنطقة؟ أتأمل أن نتدارس معا الإجابة في المقالات القادمة."

 

الدكتور خليل حسن

سفير مملكة البحرين باليابان

حرر 10 يناير 2007- طوكيو1