في صيف لندن المتقلب وفي إحدى أيامه المشمسة، جلست أتأمل المارة والسياح في ترافلجار سكوير، ميدان الطرف الأغر، هذا الميدان الذي بني تخليدا للحرب النابيلونية التي وقعت في اكتوبر 1805م حيث انتصرت بريطانيا على الأساطيل البحرية الفرنسية والأسبانية. في هذه الساحة الكبيرة تجلس اسود عملاقة وبطل الإنتصار الأدميرال هوراتيو نيلسون. إنه التاريخ أيها العرب، حيث الشعوب تفتخر بتاريخها وثقافتها وانتصاراتها وهويتها. حيث الشعوب عملت وتعمل لنهضة بلادها.

كنت في حالة من التأمل والحديث مع النفس عن وضع شعوب العرب والخليج خاصة، ففي لندن ترى من العرب المثقف وطالب العلم والمقلد الأعمى الذي يمشي و لا يرى ما حوله ولا من أمامه ولا من خلفة. لندن مدينة مفترسة كأسود ترافلقار سكوير إن لم تتعامل معها بحذر إفترستك. لندن مدينة تكتظ بالسياح والزوار على مدار العام وهي مدينة غنية عن التعريف، وليس الحديث هنا عن الإنتصارات البريطانية ولا عن مدينة لندن الزاخرة بالتاريخ والثقافة والعلم، ولا عن الاختلافات والنتاقضات والحريات، بل الحديث هنا عن زوار لندن، وأخص هنا أبناء و شباب بلادي الغالية المملكة العربية السعودية ومدى إدراكهم للتحديات التي تواجهها بلادهم اليوم.

كتبت صحيفة الديلي ميل البريطانية في مستهل عام 2015م أن السعوديين أكثر الشعوب إنفاقاً على السياحة حيث يصرفون ما يعادل 4 بلايين جنيه استرليني على التسوق والرحلات. وهذا على عكس السياح من أوروبا وأمريكا وشرق أسيا وغيرهم فمعظمهم يأتي لينهل مما في هذه المدينة العجوز من تاريخها وثقافتها وعلمها.

يشوب النظر غبش في صيف لندن عندما تكتظ منطقة الويستمنستر بالسياح الخليجيين، ألوان وأصباغ فاقع لونها وسيارات فارهة، وماركات عالمية من المجوهرات والمقتنيات الثمينة، وفي المقابل يكثر المتسولون في هذه المنطقة ويكثر الغاوون ومن لديه أجندة استهداف لشبابنا، حينها نبدأ نسمع عن قصص العصابات، ومشكلات قد تكون متكررة في كل موسم يجتمع فيه السياح الخليجيون في لندن، فبالطبع عندما تضع قطعة من الكعك مكشوفة على قارعة طريق على مرأى الناظرين حتماً ستتلوث وحتماً ستجتمع حولها هوام الأرض، وهنا يلوح سؤال في سماء لندن، كم من هؤلاء الخليجيين زار المتاحف، كم منهم زار المكتبات، وقرأ عن الثقافة البريطانية وكم منهم تعلم من

ثقافة الغرب ما ينفعنا في حياتنا كالإلتزام بالوقت وإحترام الوقت، احترام الذوق العام احترام الآخر وغيرها.

هنالك مقولة طالما رددها البريطانيين " لا تثق أبداً بالطقس البريطاني" وذلك أن من يعيش في هذه المدينة يعلم كم هو الطقس مزعج ومتعب ومتقلب، وعادة ما أمازح البريطانيين رداً على هذه المقولة "الأهم هو الثقة بين الناس في بريطانيا وأما الطقس أمره بيد الله" أعود لأبناء وبنات بلادي الغالية المملكة العربية السعودية لأقول لهم مادمتم في بريطانيا لأي غرض جئتم لأجله، لا تتركوا الفرصة تفوتكم فهي فرصة ذهبية للتعلم وكسب الخبرات والثقافات، فلن تنفعكم المظاهر والتجوال في شوارع لندن للبحث عن مكان تجمع السياح الخليجيين، فلا تضيع أيامكم الثمينة وزهرة شبابكم في التسكع والإهتمامات السطحية التي لن تصقل شخصياتكم ولن تثري المعرفة لديكم، كونوا واعين ومدركين لما يدور في العالم وما يدور حولكم وأعلموا أن بلادكم قادمة بقوة بإذن الله لتزاحم الدول العضمى فجميع المؤشرات توحي بذلك.

يعيش العالم في هذه الفترة من التاريخ مع وحش يكشر بأنيابه يداهمك في أي لحظه يدمر ويقتل الأبرياء، إنه "الإرهاب" الذي تلبس بلبوس الإسلام وألصقت فيه زوراً هوية الإسلام. وحينما يكتب الإعلام الغربي عن السائح الخليجي وما يصرفه من مليارات الدولارات عن رفاهية وبذخ في الأموال فإنه في ذات الصحيفة ينشر خبر عن عمل إرهابي ارتكبه مسلم وتنسب ثقافته ودينه للمسلمين، والإسلام براء منه، ثم يبدأ البحث بعد ذلك عن تاريخ هذا الإرهابي وهل زار المملكة أو درس فيها أوتلقى التعليم من علمائها؟ فهل هذا ما يسجله التاريخ عن حاضرنا وعن ثقافتنا وهويتنا؟!

أنتم أيها الشباب السعودي من سيقاتل هذا الوحش بوعيكم وعلمكم وثقافتكم، أنتم أيها الشباب كموج البحر المليء بالحياة، أنتم الأسود التي تواجه الإرهاب وأنتم القوة التي تواجه الفكر المتطرف، أنتم أبناء المملكة أبناء التطور والقفزات الجبارة أبناء بلاد الحرمين ومهبط النبوة، فلا تدعوا للإرهاب سبيلاً يقف أمام طموحات بلادكم، ولاتدعوا للشكليات والمظاهر ما يحول بينكم وبين الوقوف جنباً إلى جنب مع خطط بلادكم المستقبلية، أنتم مشاريع بلادكم القادمة، بل أنتم أيها الشباب من تراهن عليه المملكة اليوم، فلا تكونوا إمعة وسط الأسود فتلتهمكم، بل كونوا أنتم الأسود لتصلوا ببلادكم إلى طموحاتها.

الدكتورة/ مها بنت حمد اليوسف

لندن