قبل ايام كنت في (بروغ) البلجيكية ضمن مجموعة شباب و شابات في احدى مقاهي هذه المدينة الساحرة اللذيذة كنت انا الوحيد المفرد بينهم توجه احدهم بالسؤال الذي يطاردني كلما استقر بي الحال في مجلس ما: متى نراك عريسا. أجبته بالجملة التي ضمنتها عنوان المقال واذا باحدى الصديقات تجانبني الجلوس تعترض: لا اوافقك الراي الزواج استقرار و اطمئنان و دفء ضمن إطار الاسرة.
و همت اخرى تقابلني الجلوس على الجانب الاخر من الطاولة بدعم كلامها: نعم استقرار و ضمان مستقبل و انجاب ذرية تراهم جنبك عندما تعتاز لهم في الوكعات التي تنتباك حين الكبر و العجز.
نقاشنا ناهز الساعة و محصلته ان كل واحد منهم تشبث برايه و ان كان يعيش واقعا مخالفا لكلامه.

و انا بدوري دافعت عن رأي بحجج لم ترق لهم و اعتبرها البعض غير منطقية و غير موجودة بالواقع فالزواج كما يترائى لي هو مصلحة و سيطرة متبادلة بين الرجل و المرأة ينتهي بانتهاء المصلحة فالرجل تراه يبحث عن فتاة تشبع غريزته الجنسية و يفتخر بها امام الاقارب و الناس بجمالها و شهادتها و ما ان يصل لها و تكون تحت سيطرته يبدأ الملل يدب في نفسيته ما يدفعه الى البحث عن اخرى فيها مواصفات لا تتوفر في زوجته و الحبل على الجرار.

اما المرأة فهي تبحث عن شاب يشبع رغبتها في الاطمئنان المالي و الشهرة و البروز بين قريناتها و ما ان تجد شخص اخر يلبي لها هذه الرغبات بفعالية اكبر تلجأ الى تحت جناحه ضاربة بعرض الحائط كل عهد و ميثاق بينها و بين زوجها.

في الزواج يموت الطرفان رويدا رويدا ببطئ و هذا اشد و اوجع انواع الموت فالغيرة بين الزوجين و عدم الثقة و انجاب الاطفال و تكريس الوقت لتربيتهم و تكبيرهم و السعي و الهلع لتأمين مستقبلهم و الالم النفسي و الروحي الدائم المصاحب لهذه المراحل ما هي سوى خطوات نحو فناء الزوجين جسديا و نفسيا.

نمط اخر للموت البطيء ما يسمى الزواج عن طريق الحب و قد اشارت دراسات اجتماعية نفسية اجريت في عدة بلدان شرقية و غربية ان نسبة الخيانات تكثر بين الاشخاص الذين يتزوجون عن طريق الحب دون سواهم و السبب بكل بساطة ان الحب ينتهي مع بدأ الزواج و يحل محله الملل و الروتين و التعود و الحاجة للتغيير.

خطوة اخرى لموت الزوجين نفسيا تشدقهما بمصطلحات الوفاء و الاخلاص و المحبة و العهد و الميثاق الاسري بينهما لكن ما ان تتاح الفرصة لاحدهما مع شخص اخر يجذبه جنسيا او عاطفيا لا يضيع الفرصة و ما ان يموت احد الزوجين جسديا و تنتهي ايام البكاء و العزاء و يمر كم شهر نرى الزوج الاخر في حضن شخص او صديق او عشيق جديد يكرر له نفس الكلام و الاخلاص و المودة التي كان يلقيها على المسامع المقبور غير المأسوف عليه.

الموت الانكى عندما يصيب احدهما عجز جنسي او عدم القدرة على الانجاب او مشاكل صحية اخرى او مصيبة حياتية ترى المعافى منهما يبدأ باذلاله و اشعاره انه ادنى منه و هذه تكون خطوة ينهار فيها كل شيء بينهما و ان جمعهما سقف واحد.

بديل الزواج هو الصداقة غير المقيدة و التنويع تفاديا للملل و الروتين و التلذذ بقوام الاجساد المختلفة شقراوات و سمراوات و بيضاوات و عندما يرغب احدهم بالانجاب من الممكن اختيار شريك يتفق معه على الانجاب بدون زواج و قد اتاحت الدول الاوربية هذا بقانون مدني و عندما يكبر الانسان و يشعر بعجزه و انه اصبح عالة على الاخرين من الممكن ان يضع بيده نهاية لحياته تطبيقا لفلسفة ( نيتشه ) حول الموت.