للنخب دور كبير في التاريخ ، إيجابا او سلباً، سواء كانت نخباً سياسية اوفكرية او دينية. وملاحظاتنا هي عن القيادات السياسية ذات الدور الأكبر... وفي رأينا انه يجب أولا التمييز بين مجتمعات وأنظمة الدول الديمقراطية العريقة وبين مجتمعات وأنظمة دول ما يدعى بــ (العالم الثالث) ، حيث انتشار الفقر والجهل والأمية وضعف او فقدان التقاليد الديمقراطية في غالبيتها. ففي الدول الديمقراطية العريقة ثمة مؤسسات راسخة ورأي عام يراقب ويحاسب ، ووسائل إعلام حرة. وإذ اشتط احد الرؤساء قليلاً فهو يحاسب ويعاد للصواب ، وأمامنا مثال الرئيس الأمريكي ترامب ذي الشطحات من وقت الى آخر، فهناك الكونغرس والحزب الجمهوري نفسه والصحافة ، وفي دول العالم المتقدم أصبح غير متوقع ظهور الديكتاتور، اوالحاكم الذي يبقى في السلطة رغم سخط الشعب ، وان الحاكم الفاشل يزاح سلميا في الانتخابات. ان الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية تكثر في بلدان العالم الثالث، ولاسيما مع تصاعد دور الإسلام السياسي المتبرقع بالدين. وفي المنطقة العربية وحدها رأينا أمثلة القذافي وصدام وحافظ وبشار وعيدي امين دادا وشافيز واوردغان . أمثال هؤلاء يظلون يتشبثون بالسلطة حتى الموت او الثورة ولا مانع عندهم من موت مئات الآلاف والدمار الشامل ، وأماالدكتاتوريات الدينية ، من المذهبين السني والشيعي، فهي الأخرىتتصرف باحتقار تام لحقوق الإنسان وحقوق القوميات، كما رأينا في دولة طالبان ودولة الفقيه ، وكما في ممارسات وسياسات الأحزاب الإسلاميةوميليشياتها في العراق. وثمة أمثلة نادرة من قادة متسامحين يرفضون العنف، وقد رأينا منهم غاندي، داعية النضال السلمي ضد الاستعمار ومانديلا في جنوب أفريقيا.. ومثلهما في أوربا إليش فاليزا - البولوني الذي قاد حركة شعبية ونقابية سلمية لتغيير النظام الشمولي الى نظام ديمقراطي، فنجح... ولعل من الممكن القول ان جلال طالباني هو من هذا النمط.. وأيضاكان فيصل الأول. أما عبد الكريم قاسم فظاهرة فريدة ، فقد رأينا من جهة جمال عبد الناصر الذي حقق منجزات هامة لصالح العمال والفلاحين، ولكنه، من جهة أخرى أقام ديكتاتورية التنظيم الواحد وحارب الحريات والأحزابوالثورة العراقية. اما عبد الكريم قاسم ، فقد تربى في مدرسة كامل الجادرجي الديمقراطية ، وحكومة الثورة ضمت ممثلي جبهة الاتحاد الوطني ، باستثناء الحزب الشيوعي(فيما بعد انضمت نزيهة الدليمي الشيوعية)، وكانت الأحزاب والصحافة تعمل بحرية ، ونفذ قاسم العشرات من المشاريع لصالح الفقراء ، وفي مجال النفط، والسيادة الوطنية. ولكنه لم يستطع إقامة نظام ديمقراطي برلماني لأسباب وظروف كثيرة، وظلت كثرة من قراراته الهامة فردية . وإنصافاً فانه أراد الانتقال الى دستور دائم وحياة برلمانية وطلب من الجادرجي كتابة مسودة الدستور الدائم ، ولكن هذا اعتذر لأنه كان جافاً في تعامله مع عبد الكريم قاسم، وبالعكس من زميله محمد حديد. كما ان الزعيم لم يستطع تطهير أجهزة الدولة كلها. أننا نذكر لعبد الكريم قاسم ونحن في عراق اليوم نزاهته المثالية ، حتى انه عندما ورث قطعة ارض في الصويرةتنازل عنها لكي تبنى عليها مدرسة للبنات ، وقتل وهو كبقية المواطنين، فكيف لا ينبغي ان نمجده ونحن في عراق الفساد وفي عراق تحاول أحزابإسلامية والبرلمان تحويل المرأة الى جارية والدوس على حقوق الطفلة؟؟؟ امازعيم الثورة فهو صاحب القانون المدني للأحوال الشخصية، التي عاداه الإسلاميون منذ اتخاذه ، وهاهم يعملون على استبداله بقانون استعباد الطفلة وإباحة زواج المتعة وسحق حقوق الطفلة.