رغم أن كلمة "الحوار" قد وردت مرات عدة في خطاب "التنصيب" للولاية الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني، ورغم محاولات تجميل وجه النظام والسعي لإظهار حسن نواياه تجاه المنطقة والعالم، فإن سلوكيات الملالي وممارساتهم على أرض الواقع تفضحهم وتبوح بما تكنه صدورهم من غل وحقد تجاه دول الجوار تحديداً.

قبل أيام قلائل من خطاب الرئيس الإيراني، كان مرشده الأعلى يحرض بشكل سافر الحجاج الإيرانيين المغادرين إلى الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية لما وصفه بـ"إعلان موقف من الحضور الأمريكي في المنطقة"!

هذا الحديث المتهافت يفضح وجود مؤامرة إيرانية مكتملة المعالم للزج بالسياسة في شعائر الحج، وتكرار ما يوصف بمظاهرات ومسيرات توصف بأنها " إعلان البراءة"، وهي ممارسات لا علاقة لها بالحج وطقوسه الدينية والروحية المتعارف عليها في الفقه الإسلامي، ولكنها بدعة سياسية ابتدعها الملالي لتعكير صفو موسم الحج، واستغلاله في ممارسة "شعائر سياسية" لا دينية!

يدرك الجميع أن وفود الحجيج الإيرانيين تعج بعناصر الاستخبارات والحرس الثوري، فالموسم بالنسبة للملالي، مناسبة سياسية تستغل أقصى استغلال في الظروف العادية، ولذا فإن من الضروري التعامل بجدية مع توجيهات خامنئي ودعوته الصريحة لإعلان موقف سياسي خلال الحج، بل اعتبر أن شعيرة الحج " المكان الأنسب لإعلان الآراء والمواقف" وأنها "فرصة لإعلان الموقف حول الموضوعات المتفق عليها في الأمة الإسلامية"!

كما ربط خامنئي الحج بالتوتر الذي شهدته القدس مؤخراً، قائلا إنه "لا يوجد مكان أفضل من بيت الله الحرام ومكة والمدينة وعرفات ومشعر منى، لإعلان الموقف والآراء حول قضية فلسطين والأقصى"، حسناً ياسيد خامنئي فالقدس عنوانها معروف على الخارطة، وأنت وكل رفاقك الملالي تتباهون ليل نهار بامتلاك ترسانة صاروخية متعددة الأمدية وقادرون على تحويل أرض أعدائكم إلى جحيم، فهل ضللتم العنوان وترون أن "الرد" على مايحدث في القدس يكون في "مكة"؟! فلتبادروا بإطلاق شظية واحدة على الجيش الإسرائيلي الذي أغلق مداخل القدس الشريف كي نثق في جدية غضبكم ومزاعمكم بشأن الدفاع عن الأقصى!

أثق تماماً أنكم لن تفعلوا ذلك لسبب بسيط هو أنكم لا تمتلكون سوى تجارة بائرة وبضاعة دعائية تالفة ترددونها كي يصدقكم البلهاء والسذج، فتوازنات القوى مع إسرائيل وحليفها الولايات المتحدة لا ترهبكم بمفردها، بل أنتم بالأساس مسكونون بالعداء لدول الجوار وليس بينكم وبين إسرائيل ضغائن من أي نوع، والقدس والأقصى ليسا سوى مجرد شعارات ولافتات تجذبون بها الأنظار لتغطية اطماعكم التوسعية الفارسية، التي لا علاقة لها بالدين أو المقدسات!

يغامر خامنئي مجدداً بالدخول في منطقة خطرة وحساسة في علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية، وبدلاً من أن يتصرف كقائد ورجل دولة بحكمة وعقلانية تعيد للعلاقات صفوها أو على الأقل تجنبها المزيد من التوتر، فإنه يتصرف كطائش مغامر ويحرض الحجاج على التظاهر أثناء موسم الحج وهو يدرك تماماً عواقب هذا السلوك وما يمكن أن يؤدي إليه من صدامات سواء بين الحجيج، أو بين المتظاهرين الإيرانيين وقوات حفظ النظام السعودية، التي تعمل على تأمين الموسم والحفاظ على سلامة الحجيج وأمنهم.

سبق للملالي أن قاموا بالتحريض على التظاهر خلال مواسم الحج المختلفة، وأشهرها ما حدث عام 1987، حينما قام الإيرانيون بتنظيم مظاهرات، وأعمال شغب ضد الحجاج

حاملين لافتات وشعارات دينية وتسبب هذا السلوك المشين في الحادثة الشهيرة عن مقتل الكثيرين جراء انفلات المتظاهرين الإيرانيين وتعمدهم إحداث الاضطرابات وارتكاب أعمال العنف خلال موسم الحج.

الواضح من الشواهد أن الملالي يشعرون بالذعر جراء سياسات الرئيس ترامب، ويخشون استهداف النظام الإيراني، الذي يمضي بخطى عمياء وراء تنفيذ سيناريو كوريا الشمالية، ولا يفرق في المعطيات الاستراتيجية وبيئة الصراع بين ظروف بلاده وظروف بيونج يانج.

أدرك أن كل الحيل والالاعيب التي يخطط لها الملالي لا هدف لها سوى إحراج السلطات السعودية، ومراكمة المزيد من الأحداث الدموية لاستغلالها في الدعوة للفكرة المزمنة التي تسكن عقول الملالي، وهي فكرة تدويل إدارة الحج، فالملالي يعرفون أن عودة الحجاج الإيرانيين هذا العام حساسة، بعد ارتكابهم جريمة التزاحم وقتل الحجاج قبل نحو عامين، وقد اقر بذلك قاضي عسكر، ممثل خامنئي، في منظمة الحج الإيرانية، حيث وصف عودة الإيرانيين إلى موسم الحج لهذا العام بالحساسة، واتهم الرجل نفسه خلال شهر مايو الماضي وسائل إعلام إيرانية بنشر مواد "مسمومة ضد الحج"، وقال في حوار تلفزيوني إن بعض المواد المنشورة تهدف إلى منع الإيرانيين من التوجه إلى الحج، مضيفا أن "كثيرا ممن القضايا المطروحة حول الحج على الإنترنت غير صحيحة، ويجب على الناس تجاهلها"، وصدرت هذه التصريحات على خلفية سجال داخلي بين منظمة الحج الإيرانية ولجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، لاسيما بعد أن شكك بعض النواب في إجراءات منظمة الحج الإيرانية!!

نوايا ملالي إيران تبدو محملة بمزيد من الشر والسوء خلال موسم الحج المقبل، ونأمل أن يراجع هؤلاء أنفسهم وأن يدركوا أن المنطقة لا تتحمل المزيد من العبث

والمؤامرات، وأن نظامهم الهش سيكون الخاسر الأول في كل ما يحيكونه من تدابير!