تخطى الزعيم الاشتراكي الإسباني، بيدرو سانشيث،يوم العاشر من سبتمبر، عتبة المائة يوم، رئيسا للحكومة التي آلت إليه &مقاليدها إثر سحب البرلمان الثقة من سلفه ،ماريانو راخوي ،الذي تلطخت سمعته الشخصية وحزبه عقب صدور أحكام قاسية طالت قياديين في الحزب الشعبي ،أدينوا على خلفية فساد مالي واستغلال واسع للنفوذ .

استغل سانشيث الصاعقة التي هوت على رؤوس الطبقة السياسية، فسارع إلى تسجيل ملتمس للرقابة ضد حكومة الأقلية ، أيدته على الفور، باقي تنظيمات اليسار، ولم تكن على وفاق &تام مع سانشيث لكنها وجدت فيه المخلص المنتظر من حكم الحزب الشعبي المحافظ.

ومنذ &البداية حرص الوافد &الجديد على قصر "لا منكلوا" على السير بهدوء وفق نهج براغماتي &واقعي ومعتدل ؛آخذا في الاعتبار أن حزبه لا يتوفر على أغلبية في المؤسسة التشريعية . هكذا اختار المراهنة للإبقاء على تحالفات الضرورة وحمايتها من التصدع، مستفيدا من عوامل ضمنها غياب قوة منافسة وازنة قادرة على تشكيل &حكومة مستقرة تنتظرها &البلاد على إثر فترة ترقب وجمود سياسي فرضته تداعيات أزمة إقليم كاتالونيا .

وظف السياسي الشاب لصالحه، غضب بل كراهية اليسار الوطني والقومي وكذا الأحزاب الإقليمية الصغرى ، التي وحدتها مطالبها الفئوية ضد الحزب الشعبي . همها الأساس التخلص بأي ثمن من حكومة اليمين التي دامت حوالي ثماني سنوات ، غير مكترثة ، أي &الأحزاب ، بالعواقب السياسية كإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها،بالنظر إلى أن أغلب الأحزاب، وخاصة الراغبة في جني أحسن الثمار الانتخابية &، تخشى نتائجها ما دامت غير مستعدة لخوض غمارها ؛فلولا حكم القضاء &لظلت حكومة الحزب الشعبي متربعة على كرسي السلطة إلى غاية عام 2020 موعد الاستحقاقات التشريعية.

وليس بيد رئيس الوزراء الجديد أوراق كثيرة، ليتصرف بحرية مطلقة. الهامش ضيق، لكن يلزم الاعتراف بأنه نجح في توسيعه نسبيا ،عبر الإعلان عن إجراءات مطمئنة لرجال المال والأعمال، بالإبقاء على التوجهات الأساسية لميزانية العام المقبل مثلما هندستها الحكومة السابقة ،والاكتفاء بتعديلات ضرورية &لا تمس بنيتها في الصميم .

بذل سانشيث وفريقه المفاوض، جهودا مكثفة لإقناع الشركاء الحزبيين بقبول الأمر الواقع ، ملتزما باستمرار التشاور معهم بخصوص أي إجراء حكومي &قوي، يسير في اتجاه التعاطي مع تطلعات الفئات الاجتماعية المتضررة من تدابير التقشف التي اعتمدها الفريق الحكومي المغادر &للمحافظة على التوازنات المالية .&

أعطى تدبير سانشيث للشأن العام نتائج إيجابية مشجعة . فصار يتحدث صراحة عن إكمال الولاية التشريعية وأنه بصدد التفاوض مع الغريم المتقلب"بوديموس" لتوقيع ميثاق استقرار الحكومة ، والأخير كما هو معلوم &خارجها ؛ ما يتيح الفرصة لزعيم الاشتراكيين لتثبيت وضعه في المشهد الحزبي والنظر إلى مستقبل التنظيم بتفاؤل عريض ، مشرئبا إلى آفاق 2030 حينها ستؤتي السياسة الاشتراكية أكلها.

هل يحقق الزعيم الشاب رهانه ويصبح &مثل الأمينين العامين &السابقين: فيليبي غونثالث &ولويس ثباطيرو، اللذين أمضيا أكثر من ولاية حكومية قي قصر الحكم؟

ما لم يحدث طارئ مزلزل بسبب &الأزمة في كاتالونيا ، يتفق محللون على أن إسبانيا ربما وجدت قائدا سياسيا بالمواصفات المطلوبة : شاب ذو تكوين اقتصادي، له "كاريزما " تقربه من الطبقات الشعبية ،ملم بالتحولات الجارية خارج بلاده ، موفق في صياغته لبرنامج للحكم في خمسة أهداف &محددة محل إجماع الإسبان في غضون العشرية المقبلة؛ متمثلة في &:التعليم ، الشغل ، الصحة ،البيئة وإصلاح نظام المعاشات.

يستطيع سانشيث الزهو بأن الاشتراكيين المتمرسين بالحكم في الماضي ، قادرون على قيادة تحالف يساري لإنجاز الأهداف المذكورة،خاصة وأنه مقتنع بأن عهد الحكومات ذات اللون الحزبي الواحد انتهت ، ولن تحكم إسبانيا في المستقبل سوى تحالفات منطقية &يجمعها قدر من الانسجام .

في هذا السياق ، يمكن القول إن الزعيم الاشتراكي ، يستفيد من موقعه وسط &التجاذبات الأيديولوجية. فانتماؤه إلى الأسرة الاشتراكية الديمقراطية، يتيح له التحالف ، موليا وجهه جهة اليمين أوجهة اليسار أي مع ثيودادانوس وبوديموس ؛ إضافة إلى قوة احتياطية تمثلها تشكيلات اليسار الإقليمي ، وأهمها الأحزاب الكاتالانية، وهي غير مضمونة الولاء لأية حكومة مركزية.

وبخصوص معضلة كاتالونيا ، يختلف &سانشيث عن سلفه المغادر، إذ يحمل تصورات وسيناريوهات لحل الإشكال السياسي المزمن في الإقليم المتمرد ، مشددا على الحوار والتفاوض مع دعاة الانفصال المتشددين ؛بل الأهم أنه يرفض المقاربة القانونية الصارمة التي طبقها ماريانو راخوي، فزادت الأزمة تعقيدا، رغم أن سانشيث لمح إلى اضطراره &للعودة لتطبيق الفصل 155 من الدستور إذا تعدى الانفصاليون الخطوط الحمراء .

وهو يبدو الآن في نظر غالبية الإسبان السياسي العقلاني القادر على إيجاد حل توافقي للأزمة ، بينما &تبدو الأحزاب الانفصالية متصلبة أكثر من اللازم، مصرة على &إجراء استفتاء يؤيده سانشيث لكن على شكل الحكومة وليس على استقلال الإقليم عن التاج الإسباني .

ولأجل هذا الغرض &يحرص &رئيس الحومة على إدامة التساكن الودي مع زعيم بوديموس، بابلو إيغليسياس، خشية أن تجر التيارات اليسارية الشعبوية الأخير نحو إبعاد الاثنين عن بعضهما وفرط الهدنة المؤقتة .

وسواء أجريت الانتخابات &قبل أو بعد انتهاء الولاية الحالية، فإن سانشيث يستطيع أن يقنع قطاعا &كبيرا من الناخبين بما أنجزه &في ظرف وجيز ، سيتخذ أبعادا أخرى إذا ما منحوه ثقتهم . وحزبه الآن في طليعة استطلاعات الرأي ( حوالي 30 بالمائة) بالنظر إلى صورته الإيجابية في أذهان الرأي العام &كرجل دولة مقدام &ومجرب، يقود حكومة مصغرة وفاعلة &(17 حقيبة 11 منها للنساء) غير متساهل مع الفساد، حاضر بقوة في أوروبا وتفاهمه مع &رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون ومستشارة ألمانيا انجيلا ميركل .

وهناك شيء اخر يحق لسانشيث التباهي به بعدما لم يجرؤ عليه أحد قبله هو : إخراج رفات الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو من قبره وإعادة دفنه في مكان آخر بعيدا عن &الصرح الحالي "وادي الشهداء" الذي أصبح مزارا لفلول المتعاطفين معه .

فقد ظلت تلك التركة الثقيلة جاثمة على صدر الحكومات المتعاقبة &الى ان قرر سانشيث، بدعم من اليسار ، وضع حد لها ؛ بصرف النظر عن الاعتراضات الدينية والأخلاقية . &