يقف لبنان على حافة الصدام الأهلي لولا حكمة العقلاء الذين يحاولون تهدئة النفوس رغم اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي ببارود الرسائل الحامية من هنا وهناك. إلا أن هذا الإحتقان الشعبي الغريب في لبنان يكاد يصبح طبيعياً مع تشريع الكيدية في الإدارات العامة بأعراف خارجة عن المنطق وداخلة في المألوف الطارئ على إدارة شؤون الموظفين!

وكأنه لا يكفي هذا المواطن اللبناني قهراً لغياب معايير الكفاءة في توظيفه بسبب التقسيم الوظيفي الطائفي، حتى تنال الكيدية السياسية من كفاءته بنقله من دائرة لأخرى في ظل "العهد القوي" الذي وقف بالأمس رئيسه العماد ميشال عون على منبر "ستراسبورغ" مبشرا بمستقبل مشرق لهذا الوطن المكفهرة سماؤه بتراشق "الشتائم بين أبنائه! فتغريدة واحدة من الزعيم الوطني وليد جنبلاط عبّر فيها عن رفضه للكيدية في إدارة شؤون الموظفين، كانت كفيلة بانطلاقة الوسم #عهد_العلوج الذي تصدّره ترند "التويتر"في لبنان بغضون نصف ساعة، بمشاركة اللبنانيين من كل الفئات على اختلاف انتمائهم السياسي والديني رفضاً للممارسات التعسفية بقراراتٍ وزارية طالت اثنين من أكفأ الموظفين وأكثرهم خبرةً ومهنية.

نزار هاني هو مدير محمية الأرز المميزة في الشوف/ جبل لبنان ورجا العلي من أرقى الموظفين أداءً في قطاع الكهرباء، لكنهما مننبان فقط، لكونهما ولدا في كنف مذهب الموحدين الدروز وينتميان لخط الحزب التقدمي الاشتراكي السياسي! أما الطامة الكبرى، فتتمثل بكون المحرّضين على الحقد ونابشي قبور الحرب الأهلية هم وزراء ونواب التيار الوطني الحر التابع لرئيس الجمهورية الذي يحلو للبعض أن يناديه "بَي الكلّ"! إلا أنه على ما يبدو قرر بُعيد تكريمه مؤخراً بالدكتوراة الفخرية في "الإنسانيات" أن يجسد أبوته لكل اللبنانيين برسالة إنسانية سريعة أطلقها بصمته على أداء وزراء إدارته الفاضلة بمحاكمة الموظفين النبلاء عرفياً وبكيدية سياسية!

كنا لنصمت لو أن القرارات الإدارية أقصت أو قاصصت موظفاً فاسداً يسرق أموال الشعب، إلا أن الفاسدين محميون بطبيعة العهد، في ظل صفقات البواخر والمفاوضات مع أصحاب المولدات الكهربائية من جهة، ومع الجمعيات الوهمية والصفقات البيئية من جهةٍ أخرى!

أمام هذا المشهد، يقف عون محاضراً بلبنان الحلم على مرأى العالم وكأنه لم يسمع ما يجري في وطنه من انتهاكات بحقوق الموظفين الشرفاء! ويقول لم نأت الى السلطة من أجل الألقاب بل لنعمل من أجل مستقبل أفضل للبنان وشعبه، فيما يفاخر وزراؤه باعترافهم أن القرارات التي اتخذَت بحق الموظفين "هاني والعلي" كيدية سياسية"! فيقول النائب ماريو عون بكل صراحة: "..وسنرد لجنبلاط الصاع صاعين"، بينما يغرّد نائب التيار الوطني الحر زياد أسود قائلاً: "طابخ السم آكله"، ويرفقه بالوسم #البادئ_أظلم تعليقاً على مقال عنوانه "ضحية جديدة للصراع بين التيار الوطني الحر والاشتراكي"! وكل ذلك رداً على نقل موظفة تابعة للتيار الوطني الحر في وزارة التربية بعهدة الوزير مروان حمادة!

نعم، في عهد "الاصلاح والتغيير.. كل شي بصير"! وإدارات البلد تسير بشرعة "حمورابي لبنان" أي أن إقالة موظف مسيحي يقابله إقالة موظف مسلم، وهكذا دواليك دون النظر في أسباب النقل او الإقالة، ودون احترام معايير الكفاءة، بينما يغط القضاء وديوان المحاسبة والمجلس التأديبي في سباتٍ عميق!

ثمة من يحصر الصراع الدائر حالياً بين "جنبلاط وعون"، وكأن العهد الحاكم في لبنان يتمتع بأفضل العلاقات مع أقطاب السياسة اللبنانيين! فهل نسي اللبنانيونَ الصدام الأخير بين التيار البرتقالي ورئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية وصفه من قبل رئيس التيار الوطني الحر بـ"البلطجي"! وهل سينسى اللبنانيون خطابات الحقد التي نبشت القبور إبان الإنتخابات النيابية؟ وهل علاقة العهد بحالٍ أفضل مع حزب القوات اللبنانية التي نكث معها العهود؟

كنا لنصدق فرضية الخلاف السياسي العابر لولا لذعات الحقد المستمرة بأداء اتباع العهد ضد المصالحة التاريخية وأركانها، وانتقاما من المتمسكين بها من القوات اللبنانية والكتائب والأحرار والمستقلين، خاصة بعد أن ترسخت بنفوس المقيمين في جبل لبنان، وبعد أن كرسها جنبلاط مجدداً بحضور بطريرك الشركة والمحبة الكاردينال بشارة راعي الى المختارة مباركاً المصالحة التاريخية التي أرساها سلفه الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير. وعليه، لا بد من التذكير بأن هذه الهجمة المبرمجة قد اشتعلت وتستمر منذ رفض "عون" الاعتراف باتفاق الطائف بُعيد الحرب.

الأهلية باعتباره يقوّض حقوق المسيحيين لصالح المسلمين! وها هي براكين الأمس تفتعل الأزمات لترمي الحمم كلما سنحت الظروف لأربابها، دون خجل! وكأن جراح هذا الوطن قدرها النزيف الدائم على قاعدة تكسير الرؤوس وتحقيق الانتصارات الوهمية!

فهل سيعيد التاريخ نفسه؟

هذا السؤال يُطرح بديهياً برسم الدكتور الفخري بالإنسانيات، عله يسجل موقفا تاريخياً يُحسب له لا عليه، بعد اعترافات أزلام السلطة الوقحة بالكيدية والإدارة الثأرية في شؤون الموظفينّ!

بالأمس البعيد يا "بي الكل" كان الذبح على الهوية وكنت حينها في قلب المعركة، وها هم أتباعك اليوم يهددون بالإنتقام والثأر مهددين بإعادة عقارب الساعة الى الوراء على قاعدة "إن عدتم عدنا"،، فهل سيتحول اسلوب الذبح على الهوية في عهدك إدارياً؟!