يوصف&العقل&العربي&بأنه عقل ماضوي جامد يتغنى بالماضي وأمجادهالتليدة،&وجزء من المعتقدات ذات الطابع التقليدي التي&تضر ولا&تنفع، ولا ينتج منها&سوى الحروب الطائفية&والنعرات&القبلية.&كما أنه&ملتصق بالتفسير الماضوي&(غير المنطقي والعقلي)&لحقائق العلم والتقدم&والتطور التي تعوقه من الانطلاق والتوسع في مجالات&الفكر الإنساني الذي تبلور خلال القرون الخمسة الماضية،&لذا بقي العقل العربي يواصل الدوران في الحلقات المفرغة لكونه محبوسا في مساحة ضيقة وحدود مغلقة.&والنقطة الأبرز في معاناة العقل العربي تتمثل في وجود ثقافة أحادية الجانب تسيطر على تفكير&الجماعات والأفراد في كثير من المجتمعات العربية، تسعى&لتكريس&قيم القبيلة أو&العشيرة او&الطائفة&والانغلاق على&الذات بين أفرادها،&إضافة الى&قيم أخرى ذات طابع انعزالي&لا تناسب العصر.

&وهذه الثقافة تمتد جذورها لما قبل&الإسلام، ولكنها&–&للأسف الشديد -ظلت&سائدة&لوقتنا الحاضر ولم تستفد من&النقلة&الفكرية&والاجتماعية&التي أحدثها الإسلام منذ&ظهوره&على أجزاء مهمة من القيم العظيمة والمبادئ العليا، وأبرز تلك المبادئ&(العدل&والمساواة)&اللذين&غابا&عن&الساحة السياسية&مما نتج عنه افتقار الحياة العربية&لهذين المبدأين الانسانيين&في شتى شؤون ونواحي الحياة عبر قرون طويلة.

المجتمعات العربية تعيش اليوم أشبه بحالة اللاوعي والخوف من طرح الافكار&التنويرية&مع اختفاء عقل النخب العربية في الظل،&بحيث أصبحت&هذه المجتمعات&غير قادرة على ممارسة دورها في رسم إشارات التقدم ووضع خطط فاعلة للخروج بالعقل العربي من مأزقه. والأصعب من ذلك أن الفشل في مواجهة النظام العالمي الجديد ادى لغياب الكثير من القيم النبيلة،&والغاء الكثير من معالم الشخصية العربية،&وتحطيم الواقع&العربي&سياسيا&ومعرفيا،&وخلق&المجتمعات الاستهلاكية الغير المنتجة،&مما&أدى&بشكل كبير لتشويه العقل العربي ووضعه في خانة أشد مأساوية.

ربما لا نذهب بعيدا&إذا طرحنا بعض التساؤلات التي تبدو ظاهريا غير قابلة للتحقق منها او أنها لا تملك برهانها. ماذا حققنا بعد هذه المسيرة الطويلة من التاريخ؟&العالم&من حولنا&في مجموعه يعيش في&ظل&مناخ دولي وإقليمي مفعم بالتغييرات&والتفاعلات التي تؤثر وتتأثر،&غير&أن المنطقة العربية&تبدو&خارج التاريخ في فراغ عدمي.العرب&ليسوا&بحاجة الى جلد ذاتي بقدر ما هم&بحاجة الى نقد ذاتي يكشف ويوضح أن حضارة النصوص الجامدة سواء أكانت ارضية أم سماوية هي نصوص يفترض أن تخضع&للبحث&والتنقيح&والتفكيك كما خضعت غيرها&من النصوص،&وهناك العديد من المفاهيم في العالم تغيرت بفعل التطور&الحضاري.

يمكن تلخيص أزمة العقل العربي في كونه مكبلا بسلطة العقل الجمعي الذي يرفض التغريد خارج السرب،&وأنه وإلى اليوم لا يزال سجين الموروثات التاريخية&رغم تغير وتبدل كل شيء من حولنا، فالعالم ينطلق في فضاءات الإبداع العلمي&والفكري&والثقافي ونحن لا نزال نحاول الفكاك من أسر هذه القيود والأغلال التي حتما ستتغير&في يوم ما (ربما في القريب العاجل)&رغما عنا&(رضينا ام أبينا)،&لأن&التغيير من&سنن الله&التي تجري&في خلقه&ونحن جزء من هذا العالم المتغير،&وعلينا أن نفك أغلال العقل بأنفسنا قبل أن نواجه كارثة وصدمة تفقدنا الثقة&بأنفسنا.

ما&هو مفقود الآن، هو&(مشروع&عربي&نهضوي)&يشترك فيه الحريصون على وحدة أوطان الأمة العربية وتقدمها وتحررها مهما اختلفت&عقائدهم وطوائفهم الدينية&ومنطلقاتهم&الفكرية&والثقافية&ومواقعهم السياسية.&الأمة العربية&بحاجة ماسة&إلى مشروع فكري نهضوي متكامل يقوم على التلازم والترابط بين شعارات الديمقراطية&وحقوق الانسان&والعدل&الاجتماعي&والتحرر الوطني.&وحينما تتحرر العقول العربية من قيود&الموروثات التاريخية&بتنقيحها&والأخذ بالسمين منها&ورمي الغث في سلة مهملات&التاريخ،&وعندما&يتمتفعيل العقول بحثا عن&مستقبل أفضل، ستنهض من جديد أوطان العرب وشعوبها.

يجب علينا أن نعمل لصالح&مستقبل&أبنائنا،&ونترك لهم إرثا معرفيا حقيقيا يحفظ للدين&هيبته&ومقاصده العظمى،&ويتناغم ويتصالح مع التقدم العلمي والحضاري،&وأنه لا تضاد بين العلم والإيمان، لأنه من مقاصد الدين العظمى معرفة أسرار الله في خلقه.&أسرار الله في النفس سمو روحاني&واخلاقي، وأسراره في المادة تقدم علمي&وفكري&واجتماعي، ولا يوجد&تضاد&او تناقض&بينهما إذا فهمنا&واستوعبنا&ذلك وحررنا العقل من قيوده،&فلا خوف على الدين والعلم من تحرير العقل الذي هو مفتاح الأمن والسلام والطمأنينة لكل&المجتمعات.