تتجه الانظار في اقليم كردستان بالعراق الى الانتخابات التشريعية الخامسة التي سينتج عنها، بحسب اكثر التوقعات، خريطة سياسية جديدة في الاقليم. لكن ابرز ما في هذه الانتخابات هو تزامنها مع تطورات متوقعة داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الاقليم السابق مسعود بارزاني والذي يعد اكبر احزاب الاقليم. والنقطة المهمة التي يتوقف امامها المراقبون في هذه الانتخابات هو اقصاء نيتشروان بارزاني عن رئاسة قائمة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتكليف شخصية شابة مقربة جدا من مسعود بارزاني برئاسة القائمة.

ويمكن الربط بين هذه الملاحظة مع حدثين اخرين. اولهما هو المشاركة الباهتة لنيتشروان بارزاني في الحملة الانتخابية التي بدأت في 11ى ايلول الجاري وما يشاع عن استيائه من تولي شخصية مغمورة في الحزب رئاسة القائمة. وثانيهما هو تولي مسعود بارزاني بنفسه قيادة الحملة الانتخابية وافتتاحه الحملة بخطاب في اربيل لم يسمح فيه لغيره، بما فيهم نيتشروان، بالقاء اي كلمة. ولا ينسجم ذلك مع عادات مسعود بارزاني الذي لا يعبأ كثيرا بتسليط الاضواء على شخصه في الاعلام. ان اقوى ظهور قوي لمسعود بارزاني خلال الحملات الانتخابية يعود الى عام 1992 عندما نظم الكرد اول انتخابات تشريعية بدعم غربي ودون موافقة النظام العراقي السابق وفي كل الانتخابات اللاحقة، حتى في الانتخابات الرئاسية، لم يتولى مسعود بارزاني قيادة الحملات شخصيا.

يتحكم نيتشروان بارزاني بمنصبين هامين في الحزب الديمقراطي الكردستاني. فهو اولا رئيس وزراء حكومة الاقليم، كما انه نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. وقد انتشرت في الاوساط السياسية المطلعة على خفايا خطط عمل الحزب الديمقراطي قبل اسبوعين من بدء الحملة الانتخابية، تسريبات تشير الى خطة لاقصاء نيتشروان بارزاني تقوم على شقين. يقسم الشق الاول على مرحلتين: المرحلة الاولى هي اقصاءه عن رئاسة قائمة الحزب وهي المرحلة التي تم تنفيذها حرفيا. اما المرحلة الثانية فهي اقصاءه عن تولي منصب رئاسة حكومة الاقليم.

وتشير مصادر من داخل الحزب الديمقراطي الى ان الحزب يعتمد في خطته على امكانية حصوله على مقاعد اكثر في البرلمان الكردستاني تتيح له، بمشاركة عدد من المقاعد المخصصة للاقليات التركمانية والمسيحية، تجاوز حاجز الخمسين مقعد التي تتيح له تشكيل الحكومة منفردا. وفي حال تحقق هذا الهدف، يصبح الحزب الديمقراطي امام اختيارين: اما ترشيح مسرور بارزاني، الابن البكر لمسعود بارزاني، لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، واما تكليف رئيس القائمة هيمن هورامي بتشكيل الحكومة. فاذا تم ترشيح بارزاني الابن يتولى هورامي منصب رئاسة البرلمان الكردستاني. اما اذا تقرر عدم تولية مسرور بارزاني منصب رئيس الحكومة، ترشح شخصية اخرى للمنصب ويدور الحديث هنا عن هورامي، في حين يدمج مجلس امن الاقليم التي يتولى مسرور بارزاني رئاستها مع الحكومة وتحول الى وزارة امن الاقليم ويتولى مسؤوليتها مسرور بنفسه. وفي هذه الحالة يكون مسرور هو الشخصية المحورية في الحكومة الجديدة. وكان الحزب الديمقراطي قد جرب هذا الاسلوب سابقا، في حكومة الدكتور روج شاويس، حيث تولى نيتشروان بارزاني منصب نائب رئيس الوزراء وكان في الوقت نفسه يشكل الشخصية المحورية فيها.

يعد مسرور بارزاني شخصية مثيرة للجدل. فهو يسيطر على الجهاز الامني للحزب والحكومة ويلتزم نهجا صارما في القضايا الامنية ولا يتقيد بالمعايير السلوكية القانونية والحقوقية. ويتسم سلوكه في المجال الامني بشكل عام بعنف مبالغ فيه، لدرجة ان مناوئيه يصفون سلوكه بكونه لا يختلف عما هو معمول به في الدولة الامنية. وثمة مصادر موثوقة تؤكد على ان مسرور انشأ، الى جانب الجهاز الامني التقليدي، جيشا امنيا مدنيا يضم 1334 عنصر مدني في اربيل يحصل كل منهم شهريا على راتب مليون ونصف المليون دينار عراقي، اي ما يوازي 1200 دولار امريكي تقريبا، مهمتهم هي الاندساس بين المتظاهرين خلال الاحتجاجات الشعبية وفض التظاهرات والتجمعات الحاشدة، وفيهم مكلفون بالتواجد في الاسواق والطرقات كباعة اشياء تافهة مثل الجوارب والملابس الداخلية، واغلبهم مسلحون بسكاكين ومسدسات من نوع ماكاريوف الروسية&الصنع. والى هذا الجيش الامني المدني توجه اتهامات بقتل او اعتداءات على مدرسين او ائمة جوامع في اربيل. وجاء اكبر استخدام لهذا الجيش المدني عشية تنازل مسعود بارزاني عن رئاسة الاقليم في عام 2017، حيث هاجم مدنيون مسلحون بالعصي والسكاكين مبنى البرلمان الكردستاني واعتدوا على عدد من البرلمانيين دون ان توقفهم شرطة الحراسة. ولم يتم القاء القبض على اي منهم، على الرغم من ان صورهم محفوظة في سجلات كاميرات المراقبة وارشيف القنوات الفضائية التي صورت الحدث.

واذا ما نجحت هذه الخطة، فهي تعني ان الاقليم يمكن ان يتجه نحو نظام الدولة الامنية وارعاب المجتمع. ان ظهور ملامح هذه الخطة يثير قلقا على ثلاثة اصعدة. فعلى صعيد الحزب الديمقراطي، تشعر النخبة المرتبطة برئيس الوزراء الحالي بقلق شديد لانها ستصبح مهددة في الشك بولائها للحزب كله. وتعي هذه النخبة ان التعامل مع نجل رئيس الحزب امر في غاية الصعوبة. اما على الصعيد الشعبـي، فثمة تخوف على مستوى الشارع من تقلص هامش الحريات العامة، فيما تتشكك الاحزاب السياسية من امكانية التعامل مع حكومة لا تتواصل مع الشارع والنخبة السياسية بشكل قانوني وديمقراطي.

اما الشق الثاني من الخطة فيقوم على مرحلتين: المرحلة الاولى هي تقليم اظافر نيتشروان بارزاني بفصله عن كتلته الموالية له. وتبدأ الخطة بترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية في العراق. وبالفعل، بحسب مصادر موثوقة في اربيل، فقد صارح الحزب الديمقراطي غريمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برغبته في الحصول على المنصب. وثمة رغبة قوية داخل الحزب الديمقراطي باحتمال&ترشيحه للمنصب بالاتفاق مع الاتحاد الوطني او بدون اتفاق معه. ويعني ذلك ان نيتشروان قد يضطر الى منافسة مرشح الاتحاد الوطني وربما يخسر المنافسة. وفي كلتها الحالتين تكون الخطة قد نجحت اما في ابعاده في حالة الفوز او كسر هيبته بدفعه الى منافسة خاسرة. اما اذا ابدى نيتشروان تعنتا ورفض الترشح، فأن الخطة تقتضي ترشيح شخصية قوية مقربة منه لكي يتبعثر اعضاء كتلته الموالون له. اما المرحلة الثانية فتتمثل في اقصائه من منصب نائب رئيس الحزب. وهناك رغبة داخل الحزب الديمقراطي في عقد المؤتمر الرابع عشر في الربيع المقبل، من المتوقع ان يتم فيه اما الغاء منصب نائب الرئيس او ترشيح مسرور بارزاني للمنصب بدلا من نيتشروان بارزاني.

ينبه هذا التحليل الى ان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد دخل فعليا مرحلة ما بعد نيتشروان بارزاني. ولا تبدو الخيارات المتاحة امام نيتشروان كثيرة وانه على الارجح سيسعى الى تجنب المواجهة العلنية وقبول الامر الواقع.