صديق عزيز&طلب إلي&أن&أبدي رأيي في دبي التي زرتها غير مرة، فآثرت أن يكون ردي&عليه&منشوراً&في صحيفة، وكان&هذا المقال).

المدن مثل قناني العطر لكل منها شكلها الخاص، ورائحتها المميزة. بعض المدن&تعرف&ذاتها إليك&دون مشقة وعناء،&فيمكنك تمييزها من النظرة الأولى.&لن يصعب عليك مثلا أن تعرف بالصور، أن ما تراه&من معالم&في هذه&الصورة أو تلك، يدلك&على&أن&هذه المدينة هي&لندن، وتلك هي باريس، أو روما، أو أمستردام، فلهذه&العواصم "شخصيات"&متجانسة، لا تتبدل مهما تقادمت العهود.&وإذا اتفق وشاهدت صورة&لبرج إيفل،&أدركت&للتو أن المدينة هي باريس، وإذا تراءت أمام&ناظريك ساعة بغ بن الشهيرة،&عرفت&أن&المكان&هو لندن.&ينطبق&هذا&على&مدن قليلة في العالم،&منها&دبي&الإمارة. يكفي&المشاهد&صورة برج خليفة&أو برج العرب،&ليعرف أن المدينة&هي&دبي،&وأنها فعلاً،&زهرة&المنطقة&ولؤلوة الخليج.

لم يعرف العالم العربي في تاريخه الحديث معجزة عمرانية مثلدبي، وقد يكون أن دبي هي إحدى المعجزات العالمية في العصر الحديث.&إنها&مدينة رائعة&بامتياز؛ فنادقها،&محلاتها، مسارحها، قاعاتها والمعارض، ووسائل الخدمات&فيها تجعلها مدينة مطلوبة للعيش والعمل والعمل&والسفر والسياحة.&إذا قيست دبي بعواصم&قديمة عريقة مثل باريس أولندن&أو روما، فهي بنت ساعتها&من&دون&ريب، غير أن&دبي&الحديثة،&التي لا يتعدىعمرها خمسون عاماً،&عامرة بالمظاهر&الفنية&والثقافية،&ما يثير فضول&الباحث عن الفنون. يسهل على من يتجول&في خور دبي،وشارع الشيخ زايد،&ويزور&دار الأوبرا، أن يرى كيف تطورت هذه الإمارة الفتية&من قرية صغيرة للصيد، إلى حاضرة عصرية عامرة بالتحف الهندسية الساحرة.&هناك مدن&تناطح عمارتها السحاب،مثل نيويورك وشيكاغو&ومونتريال&وسان باولو، وفيها الذي في دبي،&وأكثر مما في دبي، بسبب حجمها الهائل،&لكن ليس في العالم&من المباني العصرية&بحجم&إمارة دبي. إنها&صورة مصغرة عن العالم ولغاته&كلها،&ما يجعلها مدينة معولمة بكل&معنىالكلمة.&صحيح أن الكثيرين&يعتبرون&أسعار العيش&فيها&عاليةكما&أبراجها&العالية،&لكن ليس ذلك&بمستغرب عن مدينة&يجدالمرء فيها&ما يريد،&وبنوعية&لا مثيل لها إلا في أماكن معدودة في العالم.

قد يتساءل أحدنا: ما الذي صنع هذه المعجزة التي اسمها دبي؟ في اعتقادنا&أن الأساس&هو حكمة الشيوخ. ليس كل الشيوخ حكماء طبعاً،&وليس&الملوك&كلهم&حكماء، ولا&الرؤساء والزعماء&كلهم&حكماء. منهم من لا يبني شيئاً، ومنهم من يدمرأكثر مما يبني!&لا أظن أن أحداً يحسبني مداجيا اصطنع المديح في غير محله،&إذا قلت إن&الشيخ راشد&آل مكتوم،&كان&صاحب الحلم&الذي تحقق على يد&وارثه،&الشيخ محمد&بن راشد&آل&مكتوم.&إذااتفق&وقال&أحد&إني&أحاسن وأساحن،&فليدلني على بقعة&في الشرق كله، (هل&أقول في العالم أيضا؟!)&شيدت في الفترة الزمنية التي شيدت&فيها دبي.&إنها&باختصار،&المدينة&العربية الأحدث&في العالم العربي&.&لقد رسم&الشيخ&راشد آل&مكتوم&في خياله معام النهضة&وآفاق الحلم. أدرك أن دبي،&موقع يجب &استغلاله إلى أقصى الحدود، وأدرك&بفراسته وحسه&الفطري، ونظرته الثاقبة في قراءة المستقبل،&أن&الخليج بحاجة&إلى مكانمثل دبي،&فأورث&بنيه&الحلم، فتجسد&خير&تجسيد على يد&الشيخ محمد.

مهما يكن،&دبي ليست المباني الشاهقة&والمحلات الراقية&فقط.ليست&البحر&ووسائل الرياضة على أنواعها فقط. ليست البيئة الصالحة لممارسة الأعمال فحسب. إنها&أيضاً&مدينة باسمة متسامحة، بسبب&روحها الشرقية العربية القائمة على&الكرم وحسن الضيافة،&والساكنون في دبي والزائرون،&يعرفون&ذلكحق&المعرفة،&ويلحظون&الفارق&بينها وبين المدن الكبيرة الشبيهة بها من حيث&الأمن والأمان.&هي من المدن القليلة&التي&لا تعرف الجريمة، وإن عرفتها فبنسبة لا تُذكر،&والفضل يعود إلى&حرص المسؤولين&على&توفيرمناخ&من الأمن والحرية لجميع الساكنين،من&مواطنين&وعرب وأجانب.

هل &يعني هذا أن المسيرة انتهت، وأن عقارب الساعة توقفت؟ إنها لم تنته طبعاً، لأن&المدن لا تفنى كما يفنى البشر. قد&تتضرر&بحكم الزلازل والقوى القاهرة، أو&بسياسة رعناء ينتهجها حاكم أرعن، لكنها تبقى في حركة دائمة ناهضة،&ما دام&يديرها حاكم &حكيم، رزين&مستقيم الرأي، &وما دام&يعلو القانون&فيها ولا يٌعلى عليه.&في اعتقادنا أن دبي قطعت شوطاً كبيراً في هذ ا النهج&الذي تتطلب&العدالة&الكاملة&السير&فيه إلى&منتهاه، حتى تحافظ&على مركزها الرائد كمدينة&مثالية للتجارة والعمل والاستثمار،&وتنافس مراكز العمل القائمة&في المنطقة العربية وقارة آسيا،&أوالتي قد تقوم في المستقبل!&لا شك أن حاكم دبي&والمسؤولين الكبار،يدركون هذه الحقائق، ويعرفون أن اي إهمال في هذا الشأن&قديعرض دبي&لتراجع هي بغنى عنه،&ويعرفون&أن على دبي أن تكون يقظة&حذرة،&لتحافظ على مركزها كموقع&لا ينازعها أحد عليهلا&في الخليج، ولا في المنطقة العربية، ولا في القارة الآسيوية.

حين يٌذكر&اسم&طوماس أديسون،&مخترع المصباح الكهربائي&يقال&عنه&إنه العبقري الذي حول الليل&إلى نهار.&لا شك أن&مقولةشبيهة بهذه&تنطبق&على دبي،&وإن&في مجال&آخر. إنها الإمارة&التي حولها&حكامها&من صحراء،&إلى مدينة&حديثة،&عامرة&بالبنيان عامرة&بالحياة،&وفي وقت قصير&بالقياس إلى أعمار المدن.&صحيح أن&هناك مدناً&تسير وتيرة العمران فيها&بشكل سريع،لكن&أشكالها&وموادها&مشوهة باردة&رخيصة، &بخلاف دبي،&حيث المتانة&والذوق&والأناقة،&وشبكات الطرق&التي&تضاهي أهم وسائل المواصلات&العصرية&في العالم.

في&هذا العصر السريع&الذي&تهب رياح التغيير&فيه&على كل المدن،&وحدها&المدن الأصيلة&تبقى محافظة على شخصيتها، ولا تترك لرياح التغيير&أن تقتلعها من جذورها.&لندن&على سبيل المثل،تعرضت ولا تزال&تتعرض،&لتأثيرات ثقافية قوية ومتباينة&من&خارج ثقافتها، لكنها تظل&مدينة إنكليزية،&يصونها&تاريخها وتصونها ذاكرتها الجماعية.&التغيير نفسه يطاول&عواصم&عريقة، مثل باريس وروما ومدريد&وليشبونة، لكن&تبقى متجانسة مع نفسها.وجه&دبي&في المقابل،&خليجي عربي،&رغم&ما يعلوه من&سمات التغريب، إذ ما زالت&روح&الصحراء والواحات والبوادي ماثلة&في لباس أهلها وتقاليدهم، وهم حريصون على أن تبقى الإمارةمئنافة، ضنينة بسمعتها،&تنمو وتتجانس&وفق تراثهم، ولا تنمو عابثة&فتعكس صوراً&مشوهة عن مدنيات&الآخرين.

يبقى السؤال:&هل هناك خوف على&دبي؟!

أريد أن&أستعمل أدق الموازين،&ولو فسرت على أنها أقسى&قواعد النقد،&وأقول&ما يلي. أقولها&وأمري إلى الله كما يقول المؤمنون.أقولها&بمحبة حرة،&وبدافع الحرص والمصلحة والأمانة:&نعم هناك خوف على دبي&الحاضر،&ودبي المستقبل.&خوف&إذا&ما&استدرجتالمدينة&إلى&محور من المحاور&السياسية&المحلية والعالمية،&لأن أحداث المنطقة علمتنا،&أن&المحاور، مهما كانت مغرية في البداءة،لن ينجم عنها آخر المطاف إلا الخراب.&ومدينة مثل&دبي،&لا&يمكنأن تستمر&كحاضرة&عربية عصرية،&ونموذجاً&يحتذى&به&بين المدن،وواحة&سلم&وأمن&إذا لم تكن&سويسرا الخليج،&وتنأى&بنفسها&عن&حرائق&المنطقة،&وما يهب عليها&من العواصف العاتية.&كلنا يعرف كم هي عنيفة وخطيرة هذه&التحديات،&لكن&كما&احتاجت دبي إلى حكمة الشيوخ يوم ولادتها وفي فترة&نهوضها، تحتاج اليوم،&وأكثر من أي وقت مضى&إلى هذه الحكمة.&بها&وحدها يصبح بمقدورها، أن تواجه مخاطر الحاضر، وتحديات&المستقبل.