ومن لا&يرحل عن هذه الحياة ؟؟ ولكن هناك رحيلاً ورحيلاً ، ولكل تداعيات مختلفة ومختلطة.

لقد غادرنا مؤخرا&المناضل الثوري كاظم&فرهود&(أبو&قاعدة)، الذي كرس حياته لخدمة الشعب والوطن، وعرف بوجه خاص بنضاله المثمر بين فلاحي العراق وبث الوعي فيهم&لتأسيس&جمعياتهم النقابية للدفاع عن مصالحهم ضد الظلم&الإقطاعي.

أن&رحيل كاظم&فرهود&يثير عندي تداعيات وذكريات سياسية قبل كل شيء ، ولكنه يستثير&أيضا&خواطر&أخرى... تعرفت عليه في سجن نقرة&السلمانالصحراوي، مثلما تعرفت على رعيل من خيرة المناضلين الشيوعيين&الآخرين.. عانينا معا سوء المعاملة ، والمضايقات المستمرة وخضنا&إضرابات&طويلة عن الطعام .. ومع ذلك كانت لنا سويعات بهيجة في ليالي الصيف ونحن نفترش&أفرشة&متواضعة على&الأرض،&وإذ&كنا نطلب من المناضل الراحل عزيز محمد&أن&ينشد لنا&أغاني&كردستانية ، ونطلب من (أبو&قاعدة)&أن&ينشد&أغانيريفية ، بصوته الشجي.&والأغاني&الريفية العراقية حزينة ، ولعل الغناء العراقي كله فيه مسحة حزن، ولعلها من&تأثير&عقود&وأجيال&من الغزوات&الأجنبية&، والظلم&الداخلي والكوارث الطبيعية... كنا نطرب للرفيقين ، مثلما كنا ننشد&أناشيد&ثورية جماعية ،&وأهازيج&شعبية لزاهد محمد... حديث الغناء يقودنا&إلى&محاربة&الإسلام&السياسي للفنون ومنها الغناء، مثلما يحارب الثقافة عامة. وكم من مرة&هوجم&فيها نادي المثقفين في العراق ، وكم مثقف وصحفي قتل وظل دمه مهدوراً، مثلما يعود اليوم في العراق مسلسل القتل والخطف..

لا للغناء باستثناء اللطم وضرب السلاسل والبكاء المنافق على&مأساة&الإمامالحسين. لقد&تأخر&العراق هنا&بأشواط&كبيرة عما كان عليه حين كانت لنا نخبة من خيرة المغنيات والمغنيين كالغزالي&والقبنجي&وزهور حسين وفاضل عواد وسليمة باشا&وعفيفة اسكندر التي توفيت قبل سنوات وهي في وضع حياتي تعيس بعد&أن&أطربت&أجيالا، واخرين...&هذا ما يحدث للفنانين في عراق&الإسلام&السياسي. وها نحن نشاهد كيف شيعت فرنسا الرسمية والشعبية المغني الفرنسي الشهير شارل&ازنافور&، الذي هاجر صغيرا من&أرمينيا&إلى&فرنسا، فصار احد&أشهر&مغنيها ورسولها للعالم. كما كان رسول&المأساة&ألأرمنية&والشعب&ألأرمني. ورغم بعد المسافات والفوارق الفنية الكبرى فان بين&أغاني&ازنافور&الحزينة&وأغانينا&في السجون&علاقة ما ولو بعيدة جداً. وصلت&في&أواخر&عمري ، استعرض ذكرياتي مع من رحلوا من&أفرادالعائلة&والأقارب&والأصدقاء&والمناضلين الذين كانوا رفاق طريق ... وتنتابني شتى&أنواع&الخواطر والتداعيات&وأتوجه&بخطابين: &احدهما&إلى&ماكنة&الموت قائلاً: (كلهم قد رحلوا فعلام بقائي وحدي)&وخطاب لأمي هو:&أماه&فارقني&أحبائي&وأتعبني&زماني،&أماه&ليتك كنت جنبي كي&أفيء&إلى&الحنان في ظل حبك&أستريح&من&المتاعب&في&أمان.

أماه&،&اسأل&،&والسؤال يظل ينحر في كياني: لم يرحل&الأحباب&عني هكذا قبل&الأوان،&وأحس&أن&العمر بعدهم قد افتقد المعاني؟

أحزان&الرحيل هنا تلتقي مع&أحزان&شعبنا والبشرية بسبب ضحايا الحروب،&والمياه&الملوثة&والأعاصير&، فتصبح جميعها&أحزانا&تسير في مجرى واحد. حتى&كأنما&العالم صار مجرد بحار من&الأحزان.