من يدير العالم انسان ذو عقل ناضج يخطط جيدا للغد، أختار مجموعته بعناية فائقة ممن يتشابهون معه بالتطور الفكري، فشكلوا غرفة سرية مغلقة كانت العامل الاهم في جعل بلادهم أسياد العالم وبذات الوقت واضعين مستقبل الكرد والعرب في ارشيف خاص لا يتم رؤيته الا بالعين المجردة , ولا فرق بينهم وبين اي انسان اخر سواء عربي او كردي، فبالنهاية الجميع بشر ومن تربة واحدة.
السؤال الذي لا بد من التطرق إليه هو لماذا اختاروا تدمير الشرق الاوسط في القرن العشرين؟
&26 ديسمبر 1991 سقطت الشيوعية بسلاحها العسكري والفكري من خلال تفكك الاتحاد السوفيتي، قبل سقوطها استطاعت التحكم بالعالم الإسلامي والعربي والكردي الى حد ما،كان كالسلاح ذو الحدين وتآكل ذاتيا،لكنه نجح بجدارة في ترسيخ مفهوم المال والفقر في ذهنية الشعوب، بالإضافة الى متاهات الفلسفة العميقة التي جعلت ممن لديه الرغبة في تفعيل العقل ان يتوه في أعماقها حتى لا يلتفت يوما الى الثقافة الحقيقية، تاهت العقول في المنافسة المستديمة بين الادب الفلسفي (الشيوعي ) والادب الاسلامي المفسر حسب اجتهادات ذاتية، في غياب متعمد من دخول الادب الغربي والتطور والتكنولوجيا داخل المنافسة، أو أن صح التعبير في غياب ثقافة العقل والمنطق والاخلاق،أعتمد صانعي خارطة العالم على هاتين النقطتين وكانت كافيه لهم لتحدد موعد الخطة الثانية، بعد نجاح اهداف ذاك الصراع الفكري.
&اعتمدت الكثير من دول المنطقة بعد افلاسها وهدرها للاقتصاد الى الاستعانة بالصين كنوع من الصمود،لم يتعظوا من دروس التاريخ وان ما يتجهون اليه هو الانهيار، محاولين الالتفاف حول شعوبهم خوفا من انقلابات داخلية من خلال تأمين ما يلزمهم بسهولة وامكانيات سلسة، حقيقة الامر السوق التي فتحت ابوابها امامهم ما هي الا سياسة لمرور ربع قرن من التوهان والضياع وجهل المعرفة، افرغوا ما بحوزتهم من مال على تلك الاسواق دون الاستفادة منها واضاعوا 25 عاما هدرا،في حين كانت القوى العظمى والغرب تطور نفسها ذاتيا وتحتفظ بالعولمة والابتكارات والحضارة المتقدمة وثروة العقل لنفسها وشعوبها وبأموال بعض الزعماء والشخصيات البارزة في الشرق التي بحوزة البنوك السرية،حيث كانت تدور كاعتمادات مفتوحة لمعظم مشاريعهم الخاصة، ظل القلم بيد الانسان الغربي سليما ومستمرا بفعاليته وبتكلفة ثابتة وواحدة، في حين دول الشرق الاوسط استخدمت الاف الاقلام الهشة للإنسان الواحد وبأضعاف قيمتها ودون فائدة نتيجة انتهاء صلاحيتها القصيرة المدى، بنجاح المرحلة الثانية من مخططاتهم كان لا بد من فتح سوق الاستيراد المتطور للشرق وارسال صناعاتهم المتنوعة الغير قابلة مجموع رأسمالها في التواجد ضمن شاشة الالة الحاسبة، ادركوا بان ما تبقى من المال الذي بحوزة دول الشرق الاوسط بات يذهب هدرا على الملذات فقط كما تم التخطيط له، انتشار الفضائيات والاقمار الاصطناعية لنقل صورة العالم جعلت من تلك الدول التركيز على هدف واحد وهو البحث عن الوسيلة التي تجعلهم قادرين الى الوصول لجمال الحياة والتمتع بها، نجح المخطط وجاءت مرحلة الاستحواذ على ما تبقى.
مع بداية القرن العشرين ووصول التكنولوجيا والمعرفة وكشف اسرار النجاح والقوة لشعوب الشرق الاوسط كان ذلك بمثابة خوف لدى صانعي القرار العالمي ان يكون هناك من خرج من مخطط التسعينيات دون تأثير وقادر ان يكتسب ثروة المعلوماتية ويضعها في خدمة ابناء قوميته، فأسرار المهنة بدأت تتكشف واصبح الانسان الشرقي الناضج يستطيع وهو جالس في مكانه ان يتعرف على ما يريد وان يصبح صانع قوة لا يقهر للدولة التي ينتمي إليها، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، فبدأوا بنقل فوضى عارمة الى الشرق الاوسط بعد احداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 الأبراج التي اصطدمت بها طائرات مدنية مدعومة ارهابيا بخيوط مجهولة المصدر،اصبحت الفوضى تعم الشرق وبمساعدة وكلائهم من اصحاب القرار في المنطقة،صراعات طائفيه وقوميه وحروب عسكرية واقتصادية لإلهاء الشعوب وتشتيت انتباههم ومنعهم من التطوير والتقدم نحو النجاح، القسم الاكبر اصبح ضحية الحرب، قسم ظل متفرجا هاجسه التركيز على البقاء حيا، قسم هرول الى جني المال عبر الفساد، والقسم المتبقي هاجر اليهم لاجئا ما هي الا عدة سنوات ويصبح مواطنا مخلصا لهم حتى اكثر من المواطن الاصلي.&
لم تستفد شعوب المنطقة من أي تطور وتكنولوجيا حديثه ومعرفة، بل على العكس تماما السياسة المرسومة لهم جعلتهم يستخدمونها بشكل خاطئ ايضا وترتد عليهم سلبا، هكذا نجحوا بجدارة في تمرير ثروة العقل دون ان يستحوذ عليها احد او ينتبه اليها وقبضوا ثمنها وسيقبضون الثمن الاغلى بعد قرن اخر، في مطلع التسعينيات بفتح سوق الفضائيات وتخصيص ترددات اقمار صناعية فتحوا قنوات خاصة مجانا دون تشفير لإفساد جيل المراهقين ونخر المجتمعات وافراغها من الوعي والاخلاق، ربما لو تابعنا مصدر تلك القنوات ومن دفع تمويلها وفتح تشفيرها لوجدنا ما يصدمنا بمعرفة حقيقتهم، كان واضحا انهم يهيئون بهدوء وعلى مر الاعوام ما هو مخطط وبدقة متناهية، ذاك الجيل الذي غرق في تلك السياسة هم انفسهم الان يخدمون مصالح تلك القوى،اخذوا المال وافلس الشرق وعاد كأن شيئا لم يكن، وحتى الكثير من قادة المنطقة وزعمائها لم يجدوا بداخلهم الجرأة لتطوير انفسهم ودولهم خوفا من العقاب، كأن لمس اي تطور سيكون هلاكهم.
الفوضى الحاصلة الان هي ليست لحصد نتائج مرحلية وكسب المزيد من المال والقوة في الحاضر، بل تخطيطهم الى ابعد من ذلك، انهيار اقتصاد دول المنطقة ورفع سقف ديونها سيمنعها من التقدم خطوة واحدة الى الامام مدة قرن كامل، ناهيك عن انهيار المجتمعات بالتطرف الفكري مما يعني فساد جيل الحاضر والمستقبل، وهو ما سيؤدي الى سقوط الاساس، الحضارة ليست ببناء برج من الاسمنت والحديد الصلب او شجرة وسط طريق صحراوي،بل ببناء جيل الغد لأنه الانسان الذي يصبح أساس المستقبل يبني ويسقي دون تردد.
&السليمانية واربيل وقامشلو، ثلاث مدن كبرى بشعبها الواعي والمكافح تحتاج فقط الى عودة القيادة للنظر في باخرتها كلا حسب مكان تواجده، ما زال القائد يعتقد ان طاقمه سيمدون يد النجاة له في حال الغرق، ربما لو تمعن جيدا لوجد بان اوزانهم ربما هي السبب في غرق الباخرة يوما ما، ووحده القادر على الانقاذ من خلال التوازن والحكمة،هاجس الخوف من فقدان ما يملكون أصعب بكثير من الخوف، الهاجس يقوم بتجميدك في مكانك دون تقدم، بينما الخوف قد يدفعك للأمام للشعور بالأمان، القيادة الكردستانية تدرك ان الامس مضى واليوم زائل لكن الغد يبقى مستمرا بالقدوم، وليسوا بحاجة لاذن من احد فيما يخص التطور والاعتماد على الذات والفكر السليم، ربما يلجأ اليهم الاخرون ان وجدوا لديهم ما هو افضل مما يفكرون به، فهم قادرين على فتح النوافذ وتنوير الاخرين، ما جرى ليس بنهاية الكون فما زال الامل ممكنا من خلال البدء بتطوير الغد ان وجدت الرغبة لدى اصحاب القرار وفكروا مليا بان في ذلك نجاتهم ونجاحهم،. "الشمس تشرق دون استئذان".

كاتب وباحث سياسي