لم يعد باستطاعة الكرد شق طريقهم الى الاستقلال في ظل جمودهم وضعفهم السياسي والتي بدورها ادت لمحاصرتهم في سياسة قوة الملالي والاخوان المسلمين، فلملمة أشلاء الماضي سياسة مستمرة على الدوام تتبعهما ايران وتركيا منذ التاريخ، متى ما حان الوقت للشعب الكردي التقدم خطوة الى الامام نحو نيل الاستقلال كانت الدولتين بالمرصاد.
اختلفت الأمور نوعا ما في أذار 1991 حين عاد الكرد للتقدم بخطوة واعلان الحكم الذاتي في كردستان بموافقة بريطانية أمريكية، تجاهلت تركيا بشكل مؤقت حسب الاحداث ذاك التعاون مع إيران في العودة للتوافق والوقوف امام استحقاقات الشعب الكردي ولأسباب عديدة أهمها : الوعود من القوى الكبرى أن الحكم الذاتي هو حقيقة الامر واقع قديم منذ السبعينيات ولم يتغير في الأمر شيء سوى ممارسته ضمن الحدود وتحت السيطرة،تجميل صورتها من خلال التقيد ببعض قوانين الاتحاد الاوروبي كعامل مساعد لقبول طلبها بالانضمام للأخيرة، واقليميا توجهها لتمتين علاقاتها الاستراتيجية للخليج وتحديدا للملكة العربية السعودية والبدء بتقوية اقتصادها الداخلي، استفادت القوى الكردستانية من التوازن الاقليمي وترتيبات المرحلة القادمة وكانت لهم بمثابة استنشاق عبير الحرية وترتيب الداخل من الناحية العسكرية والاقتصادية، لكن حقيقية الامر ان بعض القيادات كانت ضائعة في بحر الاسلام المصطنع "الشيعي. الاخواني "، كانوا بحاجة الى الفكر السليم والتخطيط السياسي ووحدة الموقف والتي بدورها تفتح الطريق للوصول الى تقوية أساس الاقتصاد والحالة العسكرية، ارسلوا عدة كوادر قيادية وشخصيات لها باع طويل في النضال الى الخارج للتعلم والتدريب والاعتماد عليهم، سرعان ما مضى العمر واصبحوا غير قادرين على تقديم ما هو مفيد نتيجة انتهاء تلك المناهج ودخول المنطقة في عصر الازدهار والتكنولوجيا،كما انه من الطبيعي ان يكون البعض تم اختراقه للعمل ضد من ارسلهم وهذا شيء طبيعي في عالم السياسة وتحديدا سياسة القوى الكبرى.
شهدت انقرة انقلاباً يشبه المجاملة الدرامية سنة 1997 سقط من خلاله حكم الاخوان المسلمين برئاسة نجم الدين أربكان، وجاء السقوط من خلال ضغط كبار قادة الجيش (العلمانيين ) على الأحزاب المتحالفة مع الاخوان للانسحاب من الحكومة،في 14 من آب عام 2001 تأسس حزب العدالة والتنمية والذي تشكل من مجموعة أعضاء سابقين في حزب الفضيلة المؤسس من حزب الآم ( الرفاه ) الذي كان يقوده أربكان، كان واضحا ان العودة بقوة الهدف الاساسي إعادة الحكم الاسلامي المتشدد والسيطرة على جميع المنظمات المماثلة في الخارج ووضعها في اجنداتها الخاصة، تزامن ذلك مع امتداد نفوذ ولاية الفقيه في دول المنطقة والبدء بتجنيد الطائفة الشيعية لأجندات سياسية ابرز محطاتها انتشار عملائه في لبنان والعراق وسوريا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان وفيما بعد اليمن وعدة دول أخرى، كان باستطاعة الكرد الاستقلال في ظل تصارع الاسلام السياسي والاستفادة من قرار الحظر الجوي الصادر من قبل امريكا وبريطانيا في التسعينيات فوق سماء أربيل، واختيار أحد طرفي ذاك الصراع كحليف فالمصالح هي من تحدد لعبة السياسة،" هنا لا بد من الإشارة ان هذا السيناريو ترفضه واشنطن ولندن لان قيام دولة كردية يعني تماما انتهاء مصالح القوى الكبرى داخل كوردستان وتبديلها بمصالح طهران او انقرة لانهما بوابة خارطة الدولة الكردية ".
قطار الأحداث سار مسرعا وظل الكرد في محطة الضياع، أمتد الهلال ( الشيعي ) من طهران وصولا الى لبنان، وأصبح بدرا باكتمال الاخوان المسلمين الذي امتد على ذاك الخط وبالتوازي داخل سوريا، أصبحت شبكة الاسلاميين المتشددين سلاح فتاك يهابه العالم برمته، شهِدت سوريا والمناطق الكردية في بداية عام 2012 تدفقا هائلاً منهم عبر الحدود التركية، بالإضافة لتنظيمين كاملين بالعتاد والسلاح الثقيل كتنظيم جبهة النصرة وتنظيم داعش الذي احتل بعض المناطق الكردية في سوريا وشنكال وحاول الوصول الى اربيل عاصمة اقليم كردستان حتى استعادت البيشمركة والقوات الكردية في كردستان سوريا قواها بمساعدة التحالف الدولي وكبدت التنظيم الارهابي هزيمة ساحقة، كما شهدت عواصم غربية عدة عمليات انتحارية وتفجيرات مفخخة من ارهابيين كان لهم سجل في الاحداث السورية، وبالجهة الاخرى استطاع ملالي طهران من خلال السيطرة على الطائفة الشيعية واللعب بعواطفهم وتجييشهم تجنيد الكثير منهم كخلايا نائمة لتنفيذ اعمال ارهابية في المنطقة والغرب دون استثناء.
ان اصحاب القرار العالمي ما زالوا غير قادرين على التحكم الكامل بخيوط اللعبة كما هو مخطط له، مراقبة الارهابيين سهلة، لكن الفرق شاسع بين المراقبة والتحكم بهم على الارض، ولا تستطيع تلك القوى في الوقت الراهن ادخال تركيا في حرب شرق اوسطية مع روسيا او ايران او العكس، فالمصالح داخل سوريا والقرب من البحر تجمع مصالح الحلف الثلاثي ( تركيا ايران روسيا ) اكثر بكثير من اي شيء اخر كما انها بمثابة باب جديد للدولة الكردية والاستغناء عن الابواب الاخرى، فقد فشل دخول انقرة في صراع مع روسيا، حادثة الطائرة الروسية سوخوي 24 التي دخلت الاجواء التركية وتم اسقاطها عام 2015 قد تكون مدبرة نتيجة اختراق استخباراتي وعسكري في الجانبين، لكن رغم ذلك لم يتعدى الامر سوى تصاريح اعلامية سرعان ما انتهت وكأن شيئا لم يكن، وتكررت أثناء اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في 19 ديسمبر 2016 اثر هجوم مسلح نفذه احد عناصر الاستخبارات التركية داخل معرض فني في انقرة، ولم تدخل الدولتين في اي حربِ او صراع عسكري، لكن تركيا استفادت نقطة ايجابية في غاية الاهمية من الحادثتين، استطاعت استقطاب شريحة واسعة من الافغان والكازاخستانيين والشيشان وغالبية معارضي موسكو في الخارج، الذين اعتقدوا ان رجب طيب اردوغان بات في معركة مفتوحة مع فلاديمير بوتين، قامت بتجميعهم وتدريبهم في معسكرات قريبة من الحدود السورية وتحديدا في غازي عنتاب، وادماجهم ضمن بعض فصائل الاخوان المسلمين التابعين للمعارضة السورية بما فيهم جبهة النصرة، ومن المؤكد ان تلك التحضيرات كانت للهجوم على منطقة عفرين الكردستانية، ففي 20 يناير 2018 بدأت معركة احتلالها من عدة محاور شنتها تلك الفيالق وفصائلها المتطرفة، ورافقها قصف طيران للجيش التركي حتى استولت عليها تماما، وهو ذات الدور الذي لعبته قبلها طهران من خلال تجميع ميليشيات الحشد الشعبي في العراق ومدها بالسلاح والمال واحتلت على اثرها كركوك الكردستانية، من الواضح ان سياسة الملالي والاخوان لا تكتمل بهلال وبدر الا فوق سماء كردستان.
الظلم والاضطهاد الذي تمارسه السلطة الحاكمة في انقرة وطهران على شعوبهم عامة والشعب الكردي خاصة قلبت الرأي العام والداخلي ضدهم، وشهدت الدولتين مع مرور الاعوام عدة احتجاجات ومظاهرات واضطرابات شعبية، وهو ما جعل من حزب العدالة والتنمية ونظام ولاية الفقيه باستدراج عناصر خارجية لتقوية نظامهم ودفعهم دوما لمحاربة مصالحهم في المنطقة على حساب حقوق الأخرين، لكن ما لم يدركه الطرفان انه من الصعب جدا انهاء وجود تلك التنظيمات، فبمجرد رميها للسلاح لن ينتهي الارهاب، عقولهم ممتلئة بالفكر المتطرف واصبحوا مجرد مرتزقة لمن يدفع لهم اكثر، وهو ما يشير الى احتمالان من المتوقع حدوثهما حسب المعطيات :&
الاول مواجهة بين الجماعات المسلحة للطرفين ( التركي والايراني )، ويتوقف على مدى اتساع فجوة تضارب المصالح بينهما لأنها ستؤدي الى دخول الدولتين في حرب مفتوحة، وهو سيناريو محتمل ربما تدركه تركيا وعلى اثره بدأت في اغسطس 2017 ببناء جدار عازل على الحدود مع إيران عند محافظتي آغدي وإيغدير بطول 144 كم، والاستمرار بإنجاز ما تبقى من المساحة الفاصلة التي تقدر بحوالي 500 كم على مراحل اخرى وتشديد الرقابة من خلال أبراج وكاميرات مراقبة.&
والثاني هو مواجهة كردية مع الجماعات والتنظيمات المتطرفة تمتد على طول الشريط الحدودي التركي – الكردي داخل المناطق الكردية في سوريا واقليم كردستان، وايضا سيناريو محتمل في حال اتفق الروس والامريكان، فواشنطن ستقوي شرعية تواجدها داخل المناطق الكردية لتمتين أساس قوتها العسكرية في المنطقة، وموسكو ستكون في مأمن تام، فهي لا تخشى امريكا طالما انها تملك نفس القوة، لكن مخاوفها من تواجد الاسلاميين المتشددين في جبل الاكراد والتركمان والقريبين من الساحل وبالقضاء عليهم ستشعر بالأمان اكثر في قواعدها على البحر الابيض المتوسط، والكرد غير قادرين في هذه المرحلة من ترسيم حدودهم في ظل وجود اصحاب المصالح الذاتية خلف القائد وداخل القيادة الكردستانية،وهو ما جعل مصيرهم يرتبط بزوال الفرس او العثمانيين حتى يتم تحقيق الاستقلال.

كاتب وباحث سياسي كردي