الأحزاب الكردستانية ومسعود&البارزاني

يظن الكثير من المحللين السياسيين الكرد ومعهم الغالبية العظمى من الشعب الكردي أن أحد أهم الأسباب التي جعلت من مسعود البارزاني وحزبه يهيمنون على السلطة المطلقة بكردستان وفرض إرادتهم وسياساتهم على الآخرين، هو ضعف&الأحزاب الكردستانية الأخرى وقياداتها&المتخاذلة. وهذا صحيح الى حد بعيد.

فكما أسلفنا في المقال السابق&أن أحد أسباب تسيد مسعود&بارزاني على القرار السياسي بكردستان هو التنازلات المتتالية التي قدمها الزعيم الراحل&جلال&طالباني&الخصم التقليدي&لبارزاني&بعد إتفاقية واشنطن للسلام عام 1998 والتي أنهت الحرب الداخلية التي إفتعلها&حزب&البارزاني وإنتهت بإستقدام قوات الحرس الجمهوري الصدامي لاحتلال أربيل ثم تسليمها الى يد&هذا الحزبفي 31 آب 1996.&وكان طالباني يدرك تماما بأن من يجيء بقوات أحد ألد أعداء الكرد لاحتلال مدن كردستان&فهو&مستعد لتكرارالمغامرة، وحصل ذلك فعلا بعد سنة واحدة&فقط حين إستقدم البارزاني هذه المرة دبابات&الجيش التركي&لضرب قوات الاتحاد الوطني، وهي دبابات مازالت الى&يومنا هذا تحتل مناطق واسعة من&أراضي كردستان في بهدينان معقل حزب البارزاني، والتي أقامفيها&الجيش التركي عشرات المراكز&الإستخبارية بحجة مراقبة تحركات حزب العمال الكردستاني&، ولكنها في الواقع احتلال عسكري لأراضي كردستان العراق&.

وللأسف حين جاءت مسألة الترشيحات لمنصب رئيس جمهورية العراق&عام 2005 وترشح مام جلال للمنصب، زادت تنازلات الاتحاد الوطني، خصوصا بعد توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين.وكان من أحد بنودها السرية هو أن يتولى مام جلال رئاسة الجمهورية مرشحا للشعب الكردي، وأن تؤول رئاسة الإقليم الى مسعود البارزاني وهي الرئاسة التي&تم تفصالها وفقا لمقاس السيد البارزاني&من حيث اعتباره السلطة الأعلى في كردستان والقائد العام لقوات البيشمركة.&لقد كانت هذه الاتفاقية بمثابة حفرة حفرها&بارزاني لاسقاط خصمه فيها ثم&انفراده&بالسلطة&المطلقة في كردستان&، ووقع الاتحاد الوطني في هذا الفخ دون أن يحسب حسابا لعواقبه على مجمل&أوضاع كردستان لاحقا.

وهكذا للوصول الى طموحه الرئاسي قدم مام جلال تنازلات اضافية لبارزاني&كانت محل إنتقاد الكثيرين من قيادات حزبه، حتى وصل&به&الأمر الى أن يتجول&في مدن ومناطق كردستان لحشد الدعم لانتخاب البارزاني رئيسا للإقليم. أضف الى ذلك تنازله فيما بعد أيضا عن حق الاتحاد الوطني في رئاسة حكومة&الاقليم لسنتين لصالح نيجيرفان البارزاني في التشكيلة السادسة التي ترأسها الدكتور برهم صالح.

ومع مرض الرئيس طالباني وغيابه عن المشهد السياسي، إستغل مسعود البارزاني غياب خصمه التقليدي أبشع إستغلال، حيث&بدأ بفرض إرادته المطلقة على الواقع السياسي بكردستان، فمع غياب طالباني&أصيب حزبه بنكسة كبيرة بسبب تفاقم صراعات أجنحته الداخلية والتي نجح البارزاني في&توظيفها لصالحه عبر&شراء ذمم الكثيرين من&أعضاء قيادة الاتحاد سواء بالترغيب أو بالتهديد.فضعف دور الاتحاد الوطني على مستوى القرار السياسي، وتجسد ذلك بكل وضوح فيما بعد&من&الانقياد الأعمى لقيادات الاتحاد&الوطني لتأييد مغامرة مسعود البارزاني بمسألة الاستفتاء لانفصال كردستان، رغم أن الأغلبية&المطلقة من كوادر الاتحاد وبعض قياداته لم يكونوا مع اجراء ذلك الاستفتاء على الأقل في مناطق كركوك وغيرها من المناطق المتنازعة والتي خرجت بالفعل عن سيطرة الكرد بسبب تلك المغامرة الفاشلة للانفصال عن العراق.

وانسحب ضعف الاتحاد الوطني وغياب دوره في القرار السياسي على بقية الأحزاب الكردستانية&. فرأينا بأنه بمجرد أن تجرأت حركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى على طرح تعديل قانون رئاسة الإقليم على البرلمان وسعيها&لانهاء ترشح&البارزاني لمرة ثالثة لرئاسة الاقليم&، كيف أغلق حزب البارزاني أبواب البرلمان ومنع رئيسه من العودة الى أربيل لممارسة مهامه، ثم طرد أربعة وزراء من&حركة&التغيير في&الحكومة.

ومع ظهور الأزمة المالية بسبب منع حزب البارزاني من تصدير نفط كركوك، أوقفت حكومة الاقليم كل أشكال الدعم المالي للأحزاب الكردستانية، وواجهت تلك الأحزاب أزمة مالية كبيرة أدت في المحصلة الى تداعي صفوفها، علما بأن تلك الاجراءات التعسفية بحق الأحزاب السياسية لم تشمل حزب البارزاني على رغم الأزمة المالية الطاحنة.

وبسبب ضعف الأحزاب الكردستانية&، إستغل حزب البارزاني ذلك الضعف وقام بتزوير&واسع النطاق لنتائج الانتخابات النيابية والبرلمانية في كردستان&، ففي 12 مايس من العام الجاري أثناء انتخابات مجلس النواب العراقي،&جرى&تزوير واسع في المناطق الخاضعة لحزب بارزاني، وفاز&هذا الحزب فعلا بالمرتبة الأولى على مستوى كردستان. وحين&جاءت إنتخابات برلمان كردستان أتهم أيضاً بالتزوير وحاز على 45&مقعدا&، وهذا أمر لم يكن متوقعا أبدا، ذلك&أن الغالبية العظمى من&الشعب الكردستاني كانوا غير راضين عن أداء حكومات هذا الحزب التي ترأسها نيجيرفان البارزاني طوال عشرين سنة الماضية. وبرغم أن تلك الحكومات لم تستطع حل المشاكل الخدمية وأزمات الكهرباء والمياه والاعمار، ومع ذلك فإن فوزه بتلك الأعداد الكبيرة من المقاعد البرلمانية أثار&الكثير من التساؤل. وفي هذا الصدد&يتحمل الشعب الكردستاني الجزء الأكبر من&المسؤولية، خاصة وأن الأغلبية قاطعت تلك الانتخابات تحت ذريعة عدم الإقتناع بجدواها، مما سهل على حزب البارزاني أن يقوم بتزوير نتائجها&بهذا&الشكل الواسع&.

وعلى الرغم من وضوح عمليات التزوير والتزييف لنتائج الانتخابات لكن أيا من الأحزاب الكردستانية المتضررة&لم تستطع أن تفعل شيئا، بل على العكس نرى اليوم&هذه الأحزاب وهي تتكالب&لانتزاع حصة&لها&من التشكيلة القادمة للحكومة، وبدلا من أن تفكرهذه الأحزاب بتشكيل جبهة معارضة قوية أمام حزب البارزاني، نجدها اليوم تسعى الى الحصول ولو على عدد قليل من المناصب والحقائب الوزارية في الحكومة القادمة، وهذا ما سيسهم في بقاءالوضع&بكردستان&لصالح حزب البارزاني الى سنوات&أخرى&قادمة.

هناك خطورة كبيرة&ستواجه شعب كردستان بسبب غياب أي&دور ملحوظ أو قوي&للأحزاب الكردستانية تجاه إنفراد وتسلط حزب&البارزاني بحكم كردستان، ليس أقلها تحول هذا الحزب الى " الحزب القائد الأوحد " مما سيعيد التجربة المريرة التي عانى منها شعب كردستان مع الحكومات الدكتاتورية السابقة التي حكمت العراق. ولذلك المطلوب من الأحزاب الكردستانية أن تعي هذه المخاطر&الكبيرة المحدقة بكردستان&وهذا ما سيكون مضمون مقالنا الأخير التالي.&