إن معظم الخلافات الحالية في الشرق الأوسط تأتي بسبب كيفية تقسيمها منذ قرن مضى. المحرك الرئيسي للاضطرابات في الشرق الأوسط هو الرسم غير الواقعي لحدود الدول الجدیدة من قبل القوى العظمى قبل قرن من الزمان، تبعها سوء تقدير تأريخي واستراتيجي خاصة من قبل القوى الإمبريالية المتضاربة فیما بینها والتي وضعت اهتمامها بالدرجة الأولى بالموارد والأراضي والدفاع عن الممتلكات الاستعمارية الأخرى. قراراتهم برسم خطوط توزیع غیر منطقیة في المنطقة شوە الشرق الأوسط، و أهملت الحقیقة علی الأرض التي کان یقطنها أناس و شعوب کثیرة اخری.

لقد ركزوا بشکل أساسي على "من يحصل على ماذا" من القوى الكبرى بدلاً من "من عاش وأين" و ذلك عند تقسيم غنائم الحرب بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. هذە الخطوة نفت حقيقة أن الشرق الأوسط أكثر بكثير من مجرد مجموعة من دول وشعوب عربية. هناك شعوب و ملل أخری تقطن هذە المنطقة، و هم الأكراد والأتراك والفرس واليهود كما قال ولي العهد الأردني مؤخرا في محاضرة لجمع من الناس في لندن.

إستمرت القوى العظمى لعقود من الزمن تدعم هذه الخريطة الجدیدة وساعدت في الحفاظ على النخبة التي جلبتها إلى داخل هذە اللعبة ، والتي أصبحت مع مرور الأیام استبدادية أكثر فأكثر . اكتسبت القوى الكبرى إمدادات النفط في الوقت الذي قام العدید من هذە النخب بإنشاء أنظمة ترفض المجتمع المدني والديمقراطية.

أصبح العديد من تلك الأنظمة طائفية ، وحرمت وتجاهلت حقوق الدول والهويات للشعوب غير العربية ، وخاصة الأكراد واليهود. الخلافات السنیة – الشیعیة القدیمة و المستمرة إلی یومنا هذا، والذي يؤجج الوضع من دون وجود حوار دائم قائم على المصالح المتبادلة والتعايش السلمي.

بعد مرور هذە المنطقة بالنزعات القومية ،الاشتراكية ، والعروبة، تحول الكثيرون إلى جهادیین و من الممکن لهذە النزعة الجدیدة أن تنموا أکثر لأن هناك الملايين من الشباب المؤهلين و لکنهم عاطلين عن العمل و الذین في كثير من الأحيان لدیهم أمل ضئيل، و في نفس الوقت مرتبطون بالعالم الخارجي من خلال تقدم التكنولوجيا ويمكنهم أن یروا محنتهم مع الناس الاخرین في العالم.&

العراق هو الدولة المفصلیة الذي يمكن أن یکون لە مستقبل جید. العرب والأكراد هم مرکز حضارتنا القديمة و التي یمکن أن تنتشر بسرعة في المنطقة. لقد تم دمج الأكراد بالقوة في العراق، و لم یتم بعد الاعتراف بحقوقهم الكاملة في البلد الموحد كما تم التعهد به لعقود من قبل عصبة الأمم كشرط للإتحاد في العراق. لم يتم الإلتزام بهذە التعهدات، وعانى الأكراد في العراق بشكل كبير و ذلك من خلال التمييز وأعمال الإبادة الجماعية (الجینوساید).

من المحزن أن عملية التحول الديموقراطي في العراق ستستغرق وقتا طويلا في الانتقال من دكتاتورية صدام حسين التي دامت لعقود مع وجود آثار &رهيبة على العرب الشيعة و السنة والأكراد، وكذلك الإيرانيين والكويتيين. هذا الانتقال تعرض إلی تعقیدات و ذلك بسبب ظهور داعش الذي حاول تدمير العراق و القیام بالقتل الجماعي ضد الأكراد والمجموعات الدينية غير المسلمة.

نحن الأكراد واجهنا عقبات هائلة من الحكومات المتعاقبة في العراق علی ید الأنظمة الديكتاتورية إلى الأنظمة الديمقراطية. وصل هذا الوضع إلى طريق مسدود و خانق في عام 2014 ، و أصبح العامل الرئيسي للأكراد إجراء استفتاء على مبدأ الاستقلال في سبتمبر 2017. على الرغم من أن النتيجة كانت واضحة - 93٪ صوتوا بنعم – و إن القيادة الكردستانية أوضحت مرارا و تکرارا بأن هذا الاستفتاء سيكون مجرد تفويض للقیادة الکوردستانیة في مفاوضاتها مع بغداد، و إعتقدنا أیضا بأنه يمكننا في نهاية المطاف الانسحاب من هذا الاتحاد المشروط الذي فرضتە عصبة الأمم ، وإقامة علاقات أفضل مع العراق من خلال التفاوض بشکل جدید من التعايش مع بعضنا البعض. و لکن القوى الإقليمية والدولية عارضت نتیجة هذا الاستفتاء.

كنا نتوقع من أصدقائنا في القيادة العراقية أن یحترموا قرارنا او على الأقل إقامة حوار هادف. للأسف ، تفوقت العقلیة القديمة المتمثلة في الهيمنة وحاولوا سحقنا بالقوة و لکنهم فشلوا في ذلك. إن طموحنا في إنشاء دولتنا تلاشت کثیرا و لكننا واقعيون. بعد أن تخطینا الحصار &والعقوبات ومحاولات الهیمنة من قبل المرکز، نعمل الآن بجد لتأمين علاقة عمل جيدة مع بغداد وكذلك مع البصرة والمحافظات السنية من أجل التوصل إلى اتفاق دستوري ملزم لمصلحة کل الاطراف.

العراق وإقليم كردستان غنيتان من الناحية النظرية و لكن مستويات المعيشة والبنية التحتية والمؤسسات لم تضاهي هذه الثروة. لكن أصدقائنا وحلفائنا يمكنهم الآن أن یروا بأن مساهماتهم و تضحیات جنودهم في العراق بدأت تؤتي ثمارها.

العراق وكردستان مرة اخری یفتحان صفحة جديدة &و ذلك بعد التغلب علی التهديد الإرهابي، و بعد الإجراءات العقيمة من قبل بغداد ضد الأكراد. رئيس الوزراء العراقي السابق خسر السلطة في الانتخابات &الاخیرة في جميع أنحاء العراق. لدينا الآن رئيس وزراء جديد &سبق و أن استقال من منصبه كوزير للنفط و ذلك بعد وضع عراقیل أمامە لتسویة مسألة النفط و الغاز العالقة بین الحکومة الإتحادیة و الإقلیم، و قد أمضى أیضا في ثمانینات القرن الماضي و في أیام الکفاح ضد الدیکتاتوریة بعض الوقت مع البيشمركة في جبال كردستان مما یمكنه فهم الأكراد بشكل أكثر.

ولدينا الآن أيضا رئيس عراقي جديد ، الدكتور برهم صالح الذي يحظى باحترام كبير في المملكة المتحدة حيث درس هناك،وفي أمريكا حیث عمل هناك، و لإنە شغل منصب نائب رئيس الوزراء في بغداد، فضلا عن كونه رئیس وزراء سابق لإقليم كردستان.

إن وجود هؤلاء الشخصیات تبشر بالخير و خاصة إذا تمت معالجة القضايا التاريخية والفلسفية التي ترتكز عليها الصراعات في الشرق الأوسط. إن المصالحة في العراق حيوية لشعوب هذا البلد ولجميع الذين مستعدون لوضع التاريخ وراءهم والمساهمة في تحقيق رؤية تعددية للشرق الأوسط.

إذا تم رسم الشرق الأوسط بشكل غير واقعي و ذلك بسبب المصالح المتضاربة &للقوی الکبری، فمن الواقعیة و الضرورية جدا الاعتراف بأن ذلك الرسم کان خطأ و ذلك إعتمادا علی المعايير الديمقراطية ومبادئ العلاقات الدولية لکي نتمکن من بناء أرضية صلبة ودعم دول الشرق الأوسط و شعوبها لفتح باب حوار دائمي بینهم.

يجب على القوى الكبرى أن تتوقف عن التسابق لأجل زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وأن تتوقف عن تسوية نزاعاتها علی المصالح في الشرق الأوسط و خاصة في الدول التي يوجد فیها فراغ سیاسي. لا ينبغي للسياسات الخارجية للقوى الإقليمية أن تملي نوعیة الحكومات علی شعوب هذە المنطقة، بل علیها أن تشجع و تدعم الحوار المستمر والتفاهم و التعایش بين شعوب المنطقة.

إن المشاركة الإبداعية للغرب على أساس مختلف كليًا أمر ضروري لأجل التغلب على المشاكل المزمنة في المنطقة و ذلك من خلال ضمان السلام والازدهار في الشرق الأوسط. نحن نحتاج المجتمع الدولي، و منهم بریطانیا لكي یشارکوا و ینخرطوا بشكل براغماتیکی أکثر في عملیة الإصلاح في العراق، و المساعدة في تحویل الشرق الأوسط من مصدر للحزن والعنف والألم إلى منطقة مستقرة للعالم بأسره. الرهانات عالية.

* ممثل حکومة إقلیم کردستان- العراق.&ونائب رئیس دائرة العلاقات الخارجیة لحکومة إقلیم کردستان سابقا