يعرف الأمن القومي عموما بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار للعمل الوطني والقومي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية&ضد كافة التهديدات الداخلية والخارجية سواء كانت إقليمية أو عالمية.&أما مفهوم الأمن القومي الشامل فقد تطور من اعتماده على الأمن العسكري في المقام الأول ليتسع مفهومه للاعتماد على قوى الدولة الشاملة.

وفي بداية القرن الواحد والعشرين شهدت المنطقة العربية احداثا مهمة مثل الغزو الأمريكي للعراق في العام&2003م&مرورا بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة ولبنان وصولا إلى الاحتجاجات الشعبية والحراك الجماهيري الواسع في عدد من الدول العربية في بداية العام&2011م، وكذلك استمرار تداعيات الأزمة السورية واليمينة والليبية&حتى&اللحظة.

والمعلوم في علم السياسة ان الفراغ السياسي في أي بلد يؤدي الى حدوث ثغرات في أمنه القومي يمكن ان تنفذ من خلاله القوى الدولية&والإقليمية لتنفيذ مآربها، وهذا لا يحدث إلا حين تتخلى الدولة او تعجز عن القيام بدورها في تأمين حقوق وواجبات شعبها، او ان تعمل الدولة لأسباب سياسية او اجتماعية على تهميش بعض الفئات من مواطنيها. وفي هذا الشأن لا يمكن ان ننكر حقيقة ان الأمن القومي العربي مخترق من جهات عدة دولية وإقليمية منذ فترة طويلة، وأن أنظمة الحكم العربية تركت فراغا سياسيا في&اكثر&من بلد عربي (لبنان، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن) تم ملؤه من قبل قوى دولية وإقليمية تعمل على تحقيق مصالحها في الوطن العربي وهي مصالح لا تتطابق، بل تتعارض وتتصادم، مع المصالح العربية.

ومن سوء&حظ&الشعوب العربية أن أنظمتها السياسية ومفكريها الاستراتيجيين مازالوا لم يتفقوا على مفهوم الأمن القومي العربي، إذ مازال هذا المفهوم ملتبس لدى العديد من الدول العربية، ولا&يوجد تعريف واحد له لدى العرب الذين يرسمون ملامح الأمن القومي كل حسب مفهومه ومصالحه&وتحالفاته ورؤيته لخريطة الصراع في المنطقة.&كذلك&ما زالت علاقة الأمن القومي العربي بالأمن القطري لكل دولة علاقة غير واضحة لدى كافة الأنظمة العربية، فأين يبدأ الأمن القومي العربي بالنسبة للأنظمة وأين ينتهي، ومتى يبدأ الأمن القطري ومتى ينتهي، وكيف ومتى وأين يتم&الانحياز&لأحدهم على حساب الأخر ولماذا؟&كل هذه&التفاصيل&تربك العقل والفكر السياسي العربي لتجعله يظل بعيدا عن صياغة أية مقاربة واضحة محددة للأمن القومي العربي، في وقت بات فيه لكل الدول ولجميع التكتلات في العالم مفاهيم واضحة المعالم لأمنها&القومي، (الاتحاد الأوروبي مثالا).

لا&شك&ان&أبرز&تحد يشكل خطرا على الأمة العربية هو إسرائيل، هذه الدولة التي تم زرعها في قلب العالم العربي بهدف تمزيق أوصاله والسيطرة على بقعة جغرافية مهمة جدا وذات دور&استراتيجي لخدمة مصالح الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص، ومن أجل ذلك خاضت إسرائيل حروب ومواجهات متعددة مع العرب، ومنذ إنشائها تبنت إسرائيل في تعاملها مع جيرانها العرب سياسة المحاصرة والتطويق ثم البتر.&ستبقى&إسرائيل&هي&العدو الرئيسي للعرب، وهي المصدر الرئيسي للخطر الذي يهدد الأمن القومي العربي،&لأنه&في الأصل قيام إسرائيل كان يعبر عن حالة الضعف العربي. ولكن هذا لا يقلل من شأن المخاطر التي&من الممكن ان&تأتي من تدخل بعض دول الجوار غير العربي.

إن الاحداث الجسيمة التي تجري حاليا على الساحة العربية تؤكد خطورة هذا&التدخل والاختراق على مستقبل الأمة العربية في ظل التطورات والمستجدات والمخططات التي يروج لها من وقت الى آخر&منذ انتفاضات&الربيع العربي، وانه بات لزاما على أنظمة الحكم العربية ان تعمل بجدية وبأسرع وقت ممكن على معالجة هذا الشرخ الكبير والواسع في الأمن القومي العربي الناتج من حالة الخصام والمناكفة بين الشعوب والحكام، والخلافات المزمنة والحادة بين أنظمة الحكم العربية نفسها والتي أدت الى هذا الحال من الضعف والتمزق والتشرذم.

لا يمكن المحافظة على الأمن القومي العربي من الاختراق الخارجي، دوليا او إقليميا، إلا من خلال تفعيل&"مبدأ المواطنة"&الذي هو&الأساس والركيزة في العلاقة بين طرفي المعادلة&"الشعوب والحكومات"، وهذا يتطلب من الحكومات ان تعترف وتقبل بحقيقة مكونات شعوبها "اعراقهم&وأديانهم&ومذاهبهم"،&والتعامل معها بحكمة وواقعية لتسود مبادئ العدل وتكافؤ الفرص، ويصبح المواطن أداة وحدة وبناء بدلا من معول هدم وأداة فرقة في أيدي اجنبية لا تريد خيرا للأمة العربية، وحتى يسود السلام والأمن&الاجتماعي&في الوطن العربي.&