أوغل قادة أحزاب المظلومية في جر الشيعة إلى حافة الهاوية، كل ذلك من أجل مناصبهم وإرضاء لإيران ومشاريعها التوسعية! 

فخربوا علاقاتهم مع محيطهم العربي والإسلامي، وحرضوا بعضهم على إجلاء عوائل سنية ومسيحية ومندائية من مناطقهم وقتل بعضهم والاستيلاء على بيوتهم وأموالهم ما ترك جراحات اجتماعية عميقة يصعب أن تندمل لحقب طويلة. حتى صار العراقي يتعرض للاستفزاز في المطارات والبلدان الأخرى ويسأل: هل أنت شيعي أم سني؟ 

تحتم على الشيعة الفقراء تقديم مئات الآلاف من أبنائهم قرابين لهذه السلطة الفاسدة، ودفعوا ثمن أخطاءها وجرائمها! حين زجتهم في حروب أهلية طاحنة ما كانت لتقع لو ابتعد قادتها عن الشحن الطائفي واتبعوا نهج الوطنية والعدل والمساواة بين الجميع وكافحوا الإرهاب من جذوره: الفساد، والتمييز الطائفي!

من فتح أبواب الموصل للدواعش والمحافظات الشمالية والغربية ؟ ولماذا؟ من تسبب بمذبحة سبايكر سواء بعدم اكتراث أو تقصدا لتعميق الأحقاد الطائفية؟ من أصر على حكم الطائفة واستفز الطائفة الأخرى فصارت شاءت أم أبت حاضنة للإرهابيين؟ اليوم المدن الشيعية لم تعد بيئة صالحة للعيش، والمدن السنية دمرت وأهلها بين قتيل ومشرد ومعوق!

مارس هؤلاء الحكام الفساد على أوسع نطاق وبددوا المال العام في صفقات غش مع شركات وهمية! أكثر من سبعين مليار دولار صرفت باسم الكهرباء لم تشعل مصباحا واحدا، لكنها أشعلت شهواتهم وغرائزهم وتشبثهم بالسلطة، فتصاعد القتل والاغتصاب والخطف وسجل على مجهولين. لم يدن من الأربعين ألف حرامي سوى فلاح السوداني عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة إمامهم في لندن، لسرقته أكثر من مليار دولار دفعة واحدة هي أموال الجياع منتظري الحصة التموينية!والسوداني قابع اليوم في السجن يصلي مكفرا عن ذنوبه وذنوب أصحابه الطلقاء الطامحين بسلطة (ما ننطيها) الأبدية! 

المتاجرون بالمظلومية على مدار السنة يلملمون أفعالهم المشينة وجرائمهم وكل جراحات الجياع والمعذبين بمسيرات البكاء واللطم والهريسة على طرق الأضرحة المقدسة. هناك ينسى المكلومون مصائبهم! وتستطيع أمهات الشهداء وآباؤهم أن يبكوا على راحتهم ولا يزعجوا الحاكمين باسمهم وهم يتنعمون في قصورهم عالية الأسوار! 

هل كتب على الشيعي أن يكون معذبا مسحوقا مدمرا لا يجيد غير البكاء واللطم، وإذا ما صحا ورفع هامته عاليا؛ انهالوا عليه بسياطهم ورصاصهم؟ 

لم يعان الشيعة وينالوا الأذى في أي عهد كما في هذا العهد الذي يسمونه العهد الشيعي!

كثير منهم صار يدرك ذلك! قبل فترة نصبوا لمزهر الشاوي تمثالا في البصرة عرفانا بإنجازاته الطيبة للناس خلال عمله في الموانئ سنوات الستينات، ولم يكن مزهر شيعيا ولا سنيا بل عراقيا وطنيا!

عندما هب السنة منتفضين على ما وقع عليهم من ضيم وإذلال قال المالكي عنهم (أنهم أتباع يزيد يقفون بوجه أتباع الحسين!) اليوم هب أبناء الجنوب، هل هؤلاء أتباع يزيد أيضا؟ وجدوا لهم أسماء أخرى، فهم: مندسون ، مخربون ، مدفوعون من الخارج، إرهابيون، عملاء، مغرر بهم يستحقون أن يعدموا دون محاكمة، فأطلقوا عليهم الرصاص ودهسوهم بسيارة العسكر وأخرجوهم من الطائفة منبوذين ومرجومين! أما هم اللصوص الكبار فلهم العصمة والقداسة والخيرات والرفاهية! 

في انتفاضات وهبات سابقة هتف المتظاهرون "باسم الدين باكونا الحرامية" اليوم أحرقوا مقرات أحزاب الحرامية! مدركين أنها استغفلتهم وزجتهم في الخديعة الكبرى: "المظلومية"،المستعملة زورا وبهتانا، فزادتهم ظلما وعذابا!

تجاوز المنتفضون مطالبهم الأولى عن الكهرباء والماء ، ولم يتطرقوا لقضية تزوير الانتخابات لقناعتهم بفساد اللعبة كلها عرفوا بوضوح أنهم إزاء دولة منخورة فاشلة تعاني من أمراض عضال لا شفاء لها إلا بإعادة بنائها نوعيا! 

دعاة المظلومية واجهوا المنتفضين بالقمع الشديد وبمحاولة عقد الصفقات والمساومات مع رؤساء العشائر، وتأليب عشيرة على أخرى وشعارهم" اخبطها واشرب صافيها" !

الانتفاضة كانت ضرورة ومحتمة وجاءت في سياقها الصحيح إنسانيا ومكانيا، أية انتفاضة أو حركة معارضة مكثفة تأتي من الطائفة الأخرى ستحسب كسابقاتها في سياق الطائفية والصراع الطائفي. التاريخ يقدم لنا أمثلة باهرة على أن النخب الشيعية المثقفة والجماهيرية كانوا في طليعة المؤسسين والمبشرين بالفكر الوطني والقومي والأممي والمضحين في مواقفهم الكبرى على هذا الطريق! وإن رجال الدين ورؤساء الأحزاب الطائفية كانوا في منتهى السذاجة والغباء حين أرادوا حشر أبنائهم وأحفادهم في كهوف الطائفية!

حكام المظلومية فقدوا الحق في البقاء، لكنهم لم يفقدوا القوة والقدرة على التشبث بالسلطة، لديهم جلادون توارثوا خبرات سجون العهود السابقة، وقوة احتياطية لدى ملالي طهران، رغم إنهم يواجهون انتفاضة كبرى تتأجج فترة وتهدأ فترة لكنها كامنة بعمق يرافقها قرار أمريكي لا يخفي تضامنه معها ويعمل على إسقاط النظام أيضاً. 

لذا فإن أخطر ما يخشى أن يستغل ملالي طهران هذه الانتفاضة فيثبوا إلى السلطة في بغداد عبر الحشد الشعبي وميليشياتهم السرية والعلنية لتكون معركتهم مع أمريكا في العراق وليس في إيران! وبهذا يكون على العراقيين جميعا أن يتحملوا أيضا تكاليف بقاء ملالي إيران في كراسيهم! بنفس الوقت هناك نفس الاحتمال لدى الأمريكان الذين لهم قواعدهم المتزايدة في العراق فيواجهون إيران في العراق قبل منازلتها على أرضها بشتى الوسائل بما فيها المواجهة العسكرية! 

الأمور حتى الآن تسير في صالح ثوار العراق رغم التضحيات الكبيرة ، إنهم حققوا شيئا مهما: 

في انتفاضة عام 1991 وضعت الأحزاب الطائفية في يد المنتفضين صور الخميني واليوم في انتفاضاتهم يحرقون صور خامنائي وخميني!

في انتفاضتهم تلك صاحوا "لا ولي إلا علي ونريد حاكم جعفري" واليوم يهتفون "لا سنية لا شيعية علمانية علمانية!" 

أليس هذا وحده انتصارا؟ أو في الأقل مؤشرا على مدى نضجهم وعمق نظرتهم إلى مأساتهم، ومحنة وطنهم وأفقهم الجديد للتغيير؟ 

الآن يمكن القول أن الحكم الديني والطائفي آيل للسقوط وهو منذ الآن يحاول سرقة شعارات ومطالب الانتفاضة، لكن الناس تعرف من هو الأصيل ومن هو الدخيل!

وإن أيام ما بعد 2003 وطرائق الحكم الفاسد والعقيم لا يمكن أن تتواصل وإن كانت قد مرت بين صمت واعتراض فإنها الآن ستقابل بالرفض الدائم حد المقاطعة والعصيان المدني! 

ولكن لا ينبغي الإفراط في التفاؤل! لا يمكن القول أن الانتفاضة قد انتصرت حتى يتوارى رجال الحكم الحالي وتحل محلهم وجوه جديدة وشابة لديها تصور كامل واضح عن المستقبل، ربما تشاركهم وجوه من الجيش الوطني ليس على هيئة انقلابيين بل منقذين مؤتمنين على الأمن العام وعدم انحدار البلاد نحو الفوضى، ثم يعودون إلى ثكناتهم حال انتهاء واجبهم الوطني وترسخ الحكم المدني الجديد!( لكي لا تتكرر مآسي الانقلابات السابقة) 

ثم يعاد كتابة دستور جديد، إلغاء مجالس المحافظات، منع سفر جميع الوزراء والمسئولين المقصرين وخاصة المختصين بالكهرباء والماء والري، والغذاء والصحة والدواء ومحاسبتهم بصرامة!

مساءلة العبادي الذي ضيع كل الفرص لمحاسبة الفاسدين وتجاهل أمل الكثيرين به وصبرهم عليه طويلا! 

إلزام القضاء بإعادة بناء نفسه وأن يكون نموذجا للحياد والموضوعية! 

إعادة بناء الهيئات الخاصة بالنزاهة والانتخابات ومنازعات الملكية والإعلام الذي لم يعد مستقلا! ولدى المنتفضين طبعا قائمتهم التي مهما طالت لن تكون أطول من زمن العذاب والآلام الكبرى!