الكرد في سورية&خارج المعادلة الحسابية ويكاد يكون وضعهم أشبه بفاصلة او نقطة على السطر لتثبيت قراءة الاخرين، لا توجد في خارطة العالم أربعة دول كوردية، هناك فقط دولة واحدة "كورستان " وتم تقسيمها بين اربع دول في المنطقة "إيران العراق تركيا سورية "، بالوقوف على هذا الواقع يتوضح المشهد تماما بأن كوردستان العراق قد وضعت حجر الأساس لبناء الدولة منذ التسعينيات بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، واستمر الفرس والعثمانيون والبعث بالتخطيط والاجماع على هدم الاساس دون تردد، ليس بمواجهة وجها لوجه، وانما عبر المناطق الكردية في الاجزاء الثلاث المحتلة تحت ذريعة حماية امنهم القومي، وبإزالة احد اطراف ذاك الحلف " نظام البعث " من خلال سقوط قوته في العراق عام 2003 وفي سورية مع نهايات 2011 لم يبقى في مواجهة الكرد سوى إيران وتركيا، حاول نظام ولاية الفقيه بذريعة محاربة معارضيه الدخول الى الاقليم والوصول لحجر اساس الدولة الكردية طوال اعوام مضت، قصف قرى ومناطق شاسعة داخل اقليم كردستان بالإضافة لإعدامات واعتقالات للمناضلين الكرد محاولا جر اربيل الى المواجهة، تمسكت القيادة الكردستانية بضبط النفس وسياسة الواقع المفروض وعدم اعطاء اي ذريعة لطهران لتنفيذ مآربها وتدمير ما تم بنائه بدماء الشهداء، كما ان دور قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني "ايران " بضبطها للنفس وعدم شن هجمات من داخل اقليم كردستان له فعالية قيمة وقطع كل الذرائع الايرانية التي ادركت ان الكرد في الاقليم باتو يدركون مخططاتها، لم تتوقف طهران للحظة مع الذات والاعتراف بحقوق الاخرين ومد يد السلام والشراكة مع الكرد، بإدراكها ان الدخول الى الاقليم بات من الماضي قامت بتأسيس ميليشيات&بطابع عراقي لمنحها العدوان الشرعي المزعم على اقليم كردستان دون اي مواجهة دولية او مسائلة من المجتمع الدولي الذي كان يعلم عين اليقين الحقيقة وظل صامتا اثناء اجتياح تلك الميليشيات لكركوك.

لم يكن الدور التركي اقل من حليفه، شن هجمات وتحليق لطائراتها في اجواء الاقليم واجتياحات داخل اراضي كردستان بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، ولم تدرك الأخيرة بأن تركيا لا تريد مقاتلته فحسب بل هدفها القضاء على الكيان الكردي في اقليم كردستان برمته وربما لو تمسكت بسياسة قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني " ايران " لوقفت انقرة جامدة دون اي حراك، وما المشهد السوري الا خير دليل على ذلك، فرغم مناداة العمال الكردستاني بانه لا يسعى الى قيام دولة كوردية لم تتوقف الهجمات التركية واجتياحاتها وكان اخرها احتلال عفرين وتدمير بنيتها التحتية وتسليم مصير شعبها الى الفصائل الاسلامية المتطرفة والارهابية التي ارتكبت ابشع الجرائم بحق الانسانية، ومن ثم دفعها لتلك الفصائل الى معاداة الكرد كنوع استفزازي واثارة العاطفة الشعبية الكردية للمطالبة بكوردستان سورية مما يسمح لها بالدخول ومحاربتهم تحت غطاء امنها القومي بالإضافة لانجرار شريحة واسعة من الكرد الى فخ مواقع اعلامية موالية للإخوان المسلمين التي طرحت تصويت بنعم ام لا لقيام دولة كردية وكان الهدف واضحا ان تركيا تجمع الخيوط لتشرعن تدخلها.

لا بد ان يرافق كتابة الوقائع والتحليل الحلول ايضا لتصبح الدائرة متكاملة، ما على الكرد سوى التمسك بكرديتهم فوحدها توضح الحق من الباطل بينهم وبين اعدائهم مع الادراك انهم جزء من الدولة الكردية الكبرى، ولن يجدي السلاح نفعا في محاربة الفرس والعثمانيين لنيل حقوقهم، والمعادلة خاسرة في ميزان القوى وفي ظل غياب مجتمع دولي يحميهم قانونيا، وحدها المهارة السياسية ووحدة الموقف وفق مصلحة القضية وليس وفق اجندات ماركة الاحزاب وترشيح قيادة سياسية واعية ونزيهة بديلا عمن اعتلوا الشاشات والمنابر ومقاعد المطارات، وعدم التفرد بالقرار الحزبي على حساب القضية والشعب سيكون سلاحا قويا لن تستطيع طهران وانقرة مواجهتهم بترسانتهم العسكرية، فالحليفان يدركان تماما بان قيام كيان قومي تلاشى تماما،وما حملاتهم البربرية وغطرستهم بين الحين والاخر داخل المناطق الكردية منذ بداية الصراع السوري سواء عبر ميليشياتهم او من خلال ما تبقى من عسكرة النظام ليست الا لمحاصرة اقليم كردستان واغلاق جميع الابواب التي قد تكون يوما طريقا لها للاستقلال، ولو كانت طهران وميليشياتها&قد فشلت في الدخول الى كركوك بعد الاستفتاء ربما قامت تركيا بتكملة دورها والدخول الى زاخو ودهوك محافظتي الاقليم بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني وربما ما زالت تلك الخطوة قائمة لدى انقرة ويعلم البارزاني علم اليقين هذه المخططات واستعداداتهم للدفاع عن انفسهم في ذروة قوتها.

ان قلق وخوف الرئيس مسعود البارزاني على اشقائه الكرد في سورية هو واقع حقيقي أعلنه عدة مرات، ولا يخفى عليه تلك المخططات التي يتم ترتيبها للمرحلة المقبلة، فقد استدرج الروس نصف الفصائل الاسلامية المتطرفة والارهابيين الى عفرين اثناء انسحابهم وسماحهم لتركيا بالتدخل لتكون بعيدة عن مناطق تواجدها في البحر وعن النظام في دمشق، وهو ذات الدور تلعبه امريكا الان بالانسحاب من بعض المناطق واستدراج النصف الاخر داخل العمق السوري وضمن المناطق الكردية، ستخف قبضة تركيا بالتحكم بالمتطرفين وبدل ان تحركهم بيدها ستحتاج الى حبل او عصا لتحريكهم مما يقلص دورها في تهديد اوروبا وستصبح ضعيفة بالقرار داخل سورية ايضا، لن يقوم النظام وروسيا او امريكا بضرب هذه الفصائل ولن يشاركوا في التدخل الجوي لمنع اي تذرع تركي لحماية فصائلها، وحدهم الكرد على الارض سيجابهون هؤلاء الارهابيين مما يعني عودتهم لدفع الضريبة لصالح ترتيبات القوى العظمى ومصالحها.

كاتب وباحث سياسي كردي