تكلم العرب كثيراً عن الثورة.. ولم يمنحوا الثور جزءاً يسيراً من الإهتمام، كعادتهم كثيرا عندما يتحدثون عن حقوق المرأة وينسون حقوق الرجل.

فمنذ ولادة ثورة الربيع العربي التي برزت ملامُحها الأولى في تونس ثم مصر وحتى آخر (الثوارات ) العربية،كثورة متجهمة وبائسه : والواقع العربي وجهابذة الأقلام بمختلف تنوعهم الثقافي والأيديلوجي لا يكفون عن الحديث عن ثورة العربية، في الوقت الذي يغيب الثور العربي عن مشهد الحوار.

ففي تونس، إنتصرت ثورة وانهزم الثور، وفي مصر انتصر الثور وانهزمت ثورة. وفي سوريا، تقاتل كل الثيران فانهزموا جميعاً وبقيت سوريا في العناية المركزة مابين الموت والحياة.

وفي ليبيا، لا تزال المبارزة قائمة بين الثور والثورة ولم يعلن أحدهما إنتصاره، في الوقت الذي إستحوذ مدرب الثيران على العلف الليبي ( النفط) بعيدا عن أعين العالم.

وفي اليمن، إختفى ثور وثورته وأصبح الميدان مساحة لصراع الديكة.&

حتى ثورة السودان وثورة الجزائر،

كل منهما تبحث عن ثور بعد أن ملت ثورها الأول.

وليس هناك من هدف عند كل من ثورة السودانية،و ثورة الجزائرية سوى أن تستبدله بثور آخر يختلف في الشكل ويحمل نفس مواصفات الأول.

هذا هو حال كل ثورة عربية، تخشى أن يتزوج عليها ثورها بعد أن مل معاشرتها، فتسارع الى البحث عن ثور آخر، ليس كرهاً في الثور الأول ولا حباً في الثور الثاني، وإنما خوفاً على مستقبل مظلم يهدد ثور وثورة وكل الثيران جميعا.

الغريب، أن الغرب إحتفى بولادة ثورة العربية، وعندما أعلنت يوم عرسها بالثور، أرسلوا كل الأشقياء المخربين كيلا يتم الزفاف مستغلين غباء العريس ( ثور) الذي إعتقد أنه عبقري ونادر فاغتر بمديح الغرب له ثم خان رفيقته ثورة وقام يغازل بنات الغرب. برغم أن الثور يدعي الاستقامة وعدم إطالة النظر في عيون الآخرين.

وهكذا، أصبحت ثورة محط سخرية العالم، في الوقت الذي عاد ثور الى حظيرته وذهب ثور آخر للجزار.

ماحدث لثورة وثور، أمر طبيعي،

فالعربي ليس إنساناً ثائراً حسب الجين الذي يشكل سلوكه وشخصيته، لأنه كائن عاطفي ويميل الى أن يكون ضمن جموع يقودها انسان يجيد دغدغة المشاعر أكثر من مخاطبة العقول. وعندما تجلس مع عربي لتخاطب عقله وتبرز له قوة منطقك وحجتك ينفر منك ويتهمك، أما بالكفر أو بشيء آخر سلبي.

وليست كل جموع غاضبة أو مقاتلة ثواراً، وعلينا أن نفرق دائماً بين الثور والثائر.

فالثور يهيج لينطح مجرد أن تستفز غبائه، دون أن يبالي بضحيته. والثائر رغم ثورته وعنفوانه يتمتع بالرحمة والإنسانية وهدفه دائماً صنع مستقبل جميل لكل الناس، ولم تكن غاية ثورة الثائر ردة فعل عنيفة أو انتقامية، عكس هيجان الثور الذي غايته الانتقام والاستحواذ فقط.

الثور، يكفيه أن ينبطح مبارزُه كي يجنبه النطح، بينما الثائر عزيز نفس يأبى أن ينبطح له حتى أبرز المبارزين له.

قد يعتقد البعض أنني أسيء لشخصية العربي، وهذا غير صحيح، فأنا أحلل شخصية العربي حسب معطيات تاريخية ونفسية قديمة ومعاصرة أعرفها كما يعرفها غيري بما يرشدنا الى طريقة الاستغلال الإيجابي لشخصية العربي خير استغلال. ولو أننا تعرفنا على حقيقة الشخصية العربية وتعاملنا مع تكوينها السيكلوجي لربما أوصلناها الى الطريق السليم كي تتطور.

فمادام أن الشخصية العربية عاطفية تميل لئن تكون ضمن جموع يقودها من يخاطب عواطفهم ويهيجها،&

&فلنخلق الخطيب المتمكن ثم ندعوه أن يخاطب عواطفهم الجمعية باتجاه ما نريد ان نأخذهم اليه، إن كنا صادقين في تطوير واقعهم وتجنيبهم الكثير من الويلات والحروب.

وعندما نريد أن نصنع شعوباً متسامحة، نغير طريقة الخطاب أكان دينيا أو سياسياً أو ثقافياً، فيقول إمام المسجد على سبيل المثال لا الحصر والجموع تردد خلفه : اللهم إنك رب العالمين قدكرمت بني آدم على سائر مخلوقاتك، وأرسلت نبيك محمداً (ص) ليتمم مكارم الأخلاق، فأرزقنا الحسن من القيم العظيمة واجعلنا أئمة سلام ودعاة حرية وعدالة، واهد كل الناس في كل مكان أن يكونوا متسامحين ومتحابين.

وبهذه الطريقة، نخاطب عواطف قومنا بصفتهم قوم عاطفيين ونجعل منهم شعوباً يتعايشون مع اختلاف الآخر في الوقت الذي نخاطب عقول العقلانيين، فنغير الصورة التي رسمها الآخر عنا، بأننا لا نجيد سوى صنع لغة الكراهية.

ثم نتجه الى كتبنا ومدارسنا ومنابر خطابنا، لنغير ما أفسده الطغاة والمتطرفون،الذين ليس لهم من عمل سوى إلهاء شعوبهم بصنع الخيبات وتركهم يصارعون بعضهم البعض، في الوقت الذي ينعم فيه أولئك المتطرفون بالكثير من المميزات ويعيشون في قصور بين ابنائهم ويرسلون أبناء الجموع العاطفية الى مهالك الحروب والنزاعات.

أكرر.. أن العرب ليسوا ثوارا ولم يصنعوا على مر تاريخهم ثورة حقيقية.

قد يكونون مقاتلين أشداء، لكنهم لم يكونوا ثواراً حقيقيين. والدليل على ذلك أنهم عندما هاجوا في مصر وتونس عادوا ليمنحوا القيادة لمن يخاطب عواطفهم وتخلوا عن الذين ثوروا عقولهم.

ومن أراد أن يتأكد من أن العرب قد يكونون محاربين عاطفيين يحركهم من يملك قدرة القيادة العاطفية عليهم وليسوا ثواراً،فليرجع للوراء عقوداً أربعة عندما تم اللعب على أوتار عواطفهم الدينية، فذهبوا الى افغانستان لمحاربة الاتحاد السوفيتي عدو أمريكا.

وفي تلك الحرب لم تنتصر افغانستان ولا المحاربون العرب بل انتصر عقل أمريكا،

وانهزم الاتحاد السوفيتي.

وعندما انتصرت امريكا في أرخص حرب برجال غير رجالها وبأموال غير أموالها ضد عدوها القوي السوفيتي،عادت لتضرب الأفغان والمحاربين العرب حسب النصيحة الميكافيلية.

وقد استغرقت تلك الحرب الإفغانية عشرين عاما، انتقلت فيها كوريا الجنوبية وبعض دول العالم الى العالم الثاني والأول وعاد العرب الى العالم الأخير!

والمضحك في الأمر أن الاتحاد السوفيتي كان صديق العرب ومؤيدا لقضاياهم، خاصة قضية فلسطين، عكس أمريكا التي تدعم اسرائيل في كل الحروب والمواقف.

وعندما سقط الاتحاد السوفيتي أصبح العرب وقضيتهم في قبضة أمريكا.

ثم عادت أمريكا لتصنع القاعدة وداعش لخدمة مصالحها في العراق وسوريا حسب اعتراف هيلاري كلنتون، وعندما قاموا بالمهمة كما يجب وانتهت اللعبة، عادت لتقتلهم مرة أخرى بانتظار فتح قضية قادمة يتم بسببها تعبئة العواطف المريضة لخدمة مهمة خارجية أخرى يكون ضحيتها شعوبهم العاطفية التي بذلت كل ماتملك من مال وبنون في سبيل نصرة السياسات الخارجية ( بدون وعي) في ظل غياب العقل وسيطرة العاطفة، ضد مصالح أمتهم وأوطانهم.

العجيب في الأمر : أنه يتم استحضار نفس الخرافات التي انكشف زيفها مراراً لدفع العواطف العربية المريضة كي تموت في ساحات معارك خاسرة، وأحياناً يتم استحضار نفس المنجمين، منذ عصر اسقاط السوخوي السوفيتية برشقة تراب في افغانستان (القرن العشرين ) وحتى خروج الملائكة في حلب على خيول بنفسجية في القرن الواحد والعشرين.

هكذا كان الوجدان الجمعي العربي : عاطفياً يتم استغلاله وتوظيفه ضد مصالحه، وقد تعمدت تجاهل مقولة العقل الجمعي العربي بعد أن تأكد لي أن العربي يفكر بعاطفته لا بعقله،وربما لو تعاملنا مع عاطفة العربي حسب طريقة علمية يحركها عقل ذكي، لخلقنا عرباً يصنعون الحضارة بالحب وليس بالكراهية!!

قد يعتقد البعض أن ذلك جلد للذات العربية، بينما هو غوص في أعماق تلك الذات للاستفادة من تلك الميزة العاطفية الجياشة التي تميز العربي عن غيره، ولتكن العاطفة هي عقل العربي وليس بالضرورة يجب أن يكون له عقل كالآخر.

فإذا تفوق الآخر بعقله، فليتفوق العربي بعاطفته.

المهم : أن يكون عند العرب قادة فكر وعلم وخطاب يقودون الشارع العربي عبر عواطفه كي يكون متمدناً ومتطوراً وليس مجرد متلقي لكل مايجعله تابعاً ينفذ كل ما يؤخر نموه و تطوره.

فلتكن العاطفة : وقود العربي نحو النهوض، مثلما كان العقل : وقود الانسان الغربي لصناعة حضارته العالمية.

وليكن للعاطفة العربية رواد مستنيرين مثلما كان للعقل الغربي رواد نهضة حضارية.

فإذا كان للحضارة الغربية مفكرون عظماء أناروا للعقل الغربي طريقه، كديكارت، وكانط، وهيوم، وروسو، وفولتير.. الخ. فليكن للحضارة العربية التي ننشدها ديكارت تنوير عاطفي عربي يقول، أنا أحب إذن أنا موجود، وكانط عربي يتحدث عن العاطفة المحضة، وفولتير آخر ينظر للثورة العربية العاطفية ويقول: احضنوا آخر مشعوذ حتى يتوب، وآخر إقطاعي حتى يخجل.

وليكتب روسو العربي، عقد العرب الاجتماعي بفلسفة عاطفية.

لماذا يصر البعض على ايقاظ عقل العربي.. والعربي يملك عاطفة أكثر اتقادا؟

لماذا.. لا نستغل توهج هذه العاطفة العربية ونخصص لقيادتها عقولاً تنويرية تجيد مخاطبة قلوب الجموع وتنويرها بدلاً من ترك تلك العواطف الجامحة ضحيةً لعقول لا تفكر و تسكن جماجم أجساد بلا عواطف؟!

ولتعود ثورة الى ثورها : يعيشان في عالم عاطفي مسالم بعيداً عن الاستثوار الذي يصور العربي كثور يريد أن يكون أسداً، ولو كُتب لثورة العربية أن تنتصر في جزء ما، فمصير الثور أن يتقاتل مع أخيه الثور الآخر.. لأن عاطفة الثور العربي لا تؤمن سوى بالاستحواذ ورفض الآخر وكل ثور يريد أن يستولي على ثورة.

ورحم الله ثوراً عرف قدر نفسه!!