كثيرة هي الفضائح التي تطال السياسيين&اللبنانيين&في الآونة الأخيرة،&خصوصاً من يدّعون العفّة منهم. تقارير بالجملة، وثائق ومعطيات تكشف النقاب عن هدر&للمال العام،&وكل منهم&يقذف الطابة في المرمى المناوىء.&يتراشقون إعلامياً "أنت فاسد"... "أنت فاسد"؛&يطبّل المناصرون&هنا وهناك&ويشتمون&على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم&يُسدل الستار على المسرحية!

من يحاسب؟ لا أحد يحاسب!&حتى الشعب لا يحاسب، فالسياسيون يتقنون&فن إلهائه&مرة بلقمة عيشه التي باتت منوطة بتبعيته لهذا الزعيم أو ذاك،&ومرة أخرى بشّد&العصب الطائفي،&وما أسهل نبش القبور في بلد&كثرت&فيه مقابر الأحياء.&

بمتابعة هذه&المسرحية الهزلية في فتح ملفات الفساد&والتسيّب المالي&في بلد على حافة الانهيار الاقتصادي، تعود إلى ذاكرتي&أحداث عايشتها عندما كنت&أعمل على تحقيق استقصائي&عن الرشاوى في إحدى الدوائر الرسمية اللبنانية. يومها، وفي شهادة حيّة&قال لي أحد المهندسين حرفياً "نحن شركاء في الفساد ولو لم نكن شركاء لكنا الآن في بيوتنا نبحث&عن عمل"! وعندما قصدت الوزير المعني، عرّاب&المسؤول الفاسد،&أكد لي أن التسجيل&الذي بحوزتي&اثبات على الرشاوى، وأذكر وقتها&كيف شتم المسؤول&لأنه تسبب بإحراجه أمام&الإعلام!

للمفارقة،&ومع أني وقتها وثّقت الفساد بالصوت والصورة، الا أنه&بعد عرض التحقيق تحرّك مجموعة من المهندسين، الذين&على ما يبدو شركاء في هذا الفساد ومستفيدين منه، واستنكروا ما ورد&من معطيات&ليعطوا شهادة نزاهة، شاركهم فيه الوزير، للمسؤول المعني.&ومع أن&المدعي العام المالي طلب نسخة من&التحقيق التلفزيوني&للتحقيق بالموضوع، ولا أعرف أصلاً إن حصل ذلك، ولكن المسؤول بقي في منصبه ولم يتغيّر أي شيء، بل على العكس،&فعلى حد تعبير أحد المهندسين "بطّلت فارقة معهم... صاروا&يرتشوا&على عينك يا تاجر".&

للأسف،&في لبنان كل شيء يسير&بهذه العقلية، من يكون مدعوماً يكون عنده نوع من الحصانة على المحاسبة، بغض النظر عن&مسؤولياته أو تبعات مخالفاته.&حتى المواطنين، بات كثر منهم يحدثوك&بمنطق يفتقد لأدنى&شروط المسؤولية&الوطنية تحت شعار: "شو بدنا نكون ملكيين أكثر من الملك... اذا المسؤولين وما فارقة معهم أنا بدا تفرق معي"!

اذا نظرنا إلى المشهد العام في هذا البلد، نرى أن السياسيين أشبه بمدبرة منزل&مستهترة،&لا يهمها&أمر المنزل&أو نهوضه،&كل همّها ما&تحصل عليه شخصياً، علانية كبدل خدمة&أو سراً&في غفلة من&صاحب البيت؛&والمواطنون هم أشبه&بالأولاد القُصَّر&في هذا المنزل،&ليس لديهم الوعي الكافي&لإدراك خطورة التسيّب، وعندما يُولّى عليهم شخص غير مسؤول،&سيجرّون&معه&المنزل إلى الخراب... كما&هو&حاصل في&هذا&الوطن!

الفارق&بين المعادلتين&أن صاحب&أي&منزل&لديه الخيار والسلطة في التخلي عن خدمات&مدبّرة&منزل غير مسؤولة،&وربما محاسبتها أو بأقل تقدير&الاستعانة بأخرى أكثر كفاءة؛ أما نحن كشعب فما في&يدنا حيلة، فمدبرو هذا الوطنينصّبون أنفسهم علينا تحت سطوة&العاطفة الطائفية، يحملون الشعارات الدينية ليطوعوا الشعب لانتخابهم&والدفاع عنهم&لاحقاً؛&وتبحث عن أخلاقيات الدين في سلوكياتهم،&فتجد الكفر&جهاراً!

يقول لي كوان يو: "تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل"، ونحن في هذا البلد وفي الكثير من البلدان العربية،&اذا لم نبدأ بتنظيف المؤسسات من الفساد&على هذا النحو،&ستطمس الأوساخ معالم الدولة وما بقي من هيبتها، كما طمرت النفايات الكثير من شوارعنا&في ذلك المشهد المخزي&على الشاشات العالمية!