بعد النكسات& العديدة والتقهقر الذي أصاب العراق في كافة مفاصله وفي جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية والسياسية والاجتماعية، منذ سقوط النظام السابق عام 2003، ولغاية اليوم، استبشرنا خيراً باختيار السيد عادل عبد المهدي رئيساً للحكومة والدكتور برهم صالح رئيساً للجمهورية، لما نعرفه من كفاءة& وخبرة وتجربة هذين القياديين، وخاصة السيد عادل الذي عرفناه عن قرب خلال فترة النضال ضد الدكتاتورية طيلة عقود طويلة. بيد أن الفساد تجذر في نسيج الدولة العراقية كالورم السرطاني الذي أصاب المجتمع العراقي برمته، والسيد عادل عبد المهدي يعرف هذه الحقيقة جيداً ولقد ذكرها في خطابه أمام البرلمان مؤخراً وذكر الكثير من الحالات الملموسة ، بل وقام مشكوراً بتأسيس المجلس الأعلى لمكافحة الفساد وأولاه أهمية قصوى. ولكن، ماذا بوسع هذا المجلس أن يفعل وهو لا يمتلك الأدوات اللازمة لعمله ؟ هل يمتلك جهاز ردع ومنظومة عقوبات قانونية تحت يده؟ هل بإمكانه مواجهة حيتان الفساد الكبيرة التي تختفي وراء الهيئات الاقتصادية للأحزاب المؤتلفة الحاكمة والمتغلغلة داخل جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية؟ هل يستطيع السيد عادل عبد المهدي ومجلسه الموقر أن يسترجع أموال الشعب المنهوبة& من حسابات الفاسدين بمختلف مسمياتهم وهو يعرفهم جيداً وبالأسماء، ألم يخبره الراحل أحمد الجلبي بالملفات التي بحوزته ، وهي كثيرة وأدت إلى اغتياله؟ وهل يمكنه أن يواجه تغول وسلطة الأحزاب والهيئات والميليشيات المسلحة في كافة المكونات المجتمعية للشعب العراقي، التي تفوق قدرتها& قدرات القوات المسلحة& في الجيش والشرطة، على الأقل في الواقع الميداني والهيمنة على الشارع العراقي وتهديد الناس بالقتل علناً وعلى قنوات التلفزيون وصفحات التواصل الاجتماعي ، ولنا في واثق البطاط أسطع مثال؟&

أولاً يجب أن يتمتع المجلس الأعلى لمكافحة الفساد بوجود شرعي وقانوني ودستوري ويمتلك تشريعات قانونية& تمنحه سلطات تمكنه من محاسبة ومعاقبة من تثبت عليهم تهم الفساد أياً كانت مواقعهم وأسمائهم ، وألا يتحول إلى مجرد عنوان دعائي& فارغ المحتوى والفعالية. أتمنى من السيد عادل عبد المهدي أن يجعل خطوته هذه بمثابة انعطافة تاريخية& ينتظرها منه الشعب العراقي كله بكافة مكوناته وسيكون له الداعم والظهير& في حال لمس منه نتائج حقيقية في مجال محاربة ومكافحة الفساد والقضاء عليه كلياً فيما بعد. سيتحول السيد عادل عبد المهدي إلى بطل ومنقذ في عيون العراقيين لو تمكن من إنجاز هذه المهمة وحد من نفوذ الفصائل والتشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون& والسلطة الشرعية وجعل القانون فوق الجميع& وحصر السلاح بيد القوات المسلحة الشرعية فقط. . والقيام بإنهاء تشكيل حكومته واختيار وزيري الدفاع والداخلية بنفسه وبعيداً عن الضغوطات الحزبية وتدخلات الأحزاب في قرارات مجلس الوزراء ورئيسه وقرارات المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وهو ما نلاحظه الآن مع الأسف.&

السيد عادل عبد المهدي مناضل شجاع وصلب وجريء كما عرفته في ماضيه النضالي في مقارعة الدكتاتورية وهو مثقف من الطراز الأول ولديه كفاءة عالية يعترف بها خصومه وأعدائه قبل مناصريه وأصدقائه. لكنه محاط بعدد من المرائين والمنافقين والملاقين والمداحين& الذي يشغلون مواقع حساسة في الدولة ويمتلكون سلطات وصلاحيات واسعة سينعكس سلوكهم سلباً عليه حتماً وقد يفوت الأوان في تشخيصهم وإبعادهم لأنهم منتشرون كالإخطبوط. وهؤلاء يعملون& وفق مبدأ المحسوبية& والمنافع الشخصية والمجاملة& والتضامن ولامصالح المتبادلة في منح الامتيازات وتلقي مثيلها من قبل الآخرين الذين تمكنوا من شراء ذمم أغلب قيادات الطبقة السياسية الحاكمة حالياً. لابد من إعطاء السيد عادل عبد المهدي الفرصة والوقت الكافي لكي يثبت للعراقيين صدق نواياه وفعالية برنامجه الإنقاذي وانتشال العراق من الهوة التي سقط فيها. ولكن هل بوسعه مجابهة هذه الشبكة العنكبوتية التي تسلطت على رقاب العراقيين طيلة ستة عشر عاماً وتحاول أن تمنع، أو تعرقل على أقل تقدير ، البرنامج &الإصلاحي للمسؤول الننفيذي الأول في العراق، الذي من المؤمل أن يكون لصالح الشعب العراقي وتحقيق& احتياجاته في الحياة الكريمة& اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، وعلى رأسها توفير الخدمات العامة وإعادة هيبة القانون والدولة وتطبيق القانون وردع الفاسدين& والمخربين& والاستمرار في مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن والأمان للمواطنين؟. لا بد للسيد عادل عبد المهدي الاعتماد على الكفاءات الحقيقية التي يعرف الكثير منها شخصياً ، والاستفادة من كثير من الخبراء في جميع الاختصاصات حتى تغدو حكومته فاعلة وفعالة ومنتجة ويبتعد عن المحاصصة وإرضاء الجميع، &فهذه مهمة مستحيلة . فلابد من قضاء نظيف وحيادي وغير فاسد أو مخترق، وقوة ردع مخلصة ومستقلة تستطيع أن تعاقب وتطبق القانون، وفق استراتيجية محكمة ومدروسة تتوفر لها سبل النجاح وفي نفس الوقت إيجاد يد ضاربة ووسيلة ردع لمن يتجاسر ويتحدى سلطة الدولة والقانون والشرعية،& والحيلولة دون اختراق& لحكومته ومجلسه الأعلى لمكافحة الفساد بعناصر من قبل من تحوم حولهم الشبهات وتفوح منهم رائحة الفساد& وأخذ الرشاوي والقومسيونات وعقد الصفقات المشبوهة والوهمية . ولا بد من تشكيل جهاز من المراقبين والمتابعين السريين النزهاء الذين يتمتعون بالكفاءة وحسن السلوك والأخلاق الوطنية& والكتمان والثقة وعدم استغلالهم لمهماتهم لجمع الأموال وابتزاز الناس، حيث تكون مهمة هؤلاء تشخيص الداء ومعرفة آليات الفساد وأبطاله وطريقة عملهم وصياغة التقارير المحترفة والنزيهة والحيادية بحقهم. وأخيراً& لابد من إنهاء ملف الميليشيات المسلحة والحمايات المتغولة وامتيازات المسؤولين المبالغ بها خاصة البرلمانيين ومجالس المحافظات التي لا فائدة منها، والنأي بالعراق من الصراعات &الإقليمية والدولية وسياسة المحاور& وإقامة علاقات طيبة وجيدة وإيجابية مع جميع دول العالم ودول الجوار، وعلى قدم المساواة، مع ضمان المصالح الوطنية العليا في كافة مجالات التعاون. كلمة أخيرة أود إيصالها لدولة رئيس الوزراء العراق& السيد عادل عبد المهدي وهي أنه عليه بأسرع وقت وبأي ثمن إنهاء أزمة الكهرباء التي هي عصب آلة الإنتاج في العراق& وراحة المواطن فهي المؤشر والفيصل& لحسن أداء الحكومة كما لا بد من ربط العراق بجميع دول العالم بشبكة نقل جوية وبرية وبحرية& وفتح خط جوي مباشر بين العراق وعواصم عالمية مهمة كباريس لأن رجال الأعمال والمستثمرين الفرنسيين &يعانون كثيراً في الوقت والجهد والكلفة من غياب الخط الجوي المباشر بين باريس وبغداد ما يحول& بينهم وبين& قطاع الاستثمار الضروري للعراق.&