في&عيادة أنيقة مطليه بألوان زاهية تبعث على&البهجة والحياة&في&وسط مدينة بازل السويسرية،&جلس عالم الأحياء الأسترالي&"ديفيد جودال"&لآخر مرة في حياته على&أريكة حمراء مريحة،&مستعدا للتوقيع على&أوراق إنهاء حياته&بالموت الرحيم وهو في&كامل قواه العقلية،&وجلس حوله&عدد من أقاربه يوقعون على&نفس الأوراق كشهود.

العالم الذي سئم الحياة بعد أن بلغ عامه ال 104 كان يستعجل الموت&في العيادة،&حتي أنه مازح أقاربه وهم مشغولون بتوقيع الأوراق&قائلا&:مالذي ننتظره&هنا؟&لقد طال الوقت كثيرا!،&كان زاهدا في الحياة تماما،&لكنه&لم يكن&مصاب بأي مرض عضال&ولا حتى الاكتئاب،&وعندما سأله الأطباء عن&دوافعه لتفضيل الموت على&الحياة&قال:&في لحظة ما في عمر الإنسان تصبح الحياة بلا قيمة ولا معني،&خاصة عندما يتقدم&به&العمر،&وتصبح حياته مجرد&معاناة يومية خالية من السعادة والبهجة!.

للأسف&إن الفراغ الروحي وعدم الايمان&عند البعض&يضاعف من الحالات النفسية المريضة&أو التي لاتجد حلا لمعاناتها&في الحياة، فتفضل الموت، ذلك أن&الذين لديهم الدفء&الإيماني يرمون بأحمالهم&وأعباء الحياة&علي الله،&ويعتبرون&أن مصائرهم&هي&أقدار في يد الله،&لذلك لا يسأمون الحياة ولا ينهونها بايديهم،&أما الذين لايعتقدون في&الله فيمسكون زمام الأمور ويحددون مصائرهم بأنفسهم&.

حب الحياة لا يتوقف على&عمر&معين، &ويمكن&أن يحب الحياة&انسان &وهو في عمر 104&ويمكن أن يكرهها شاب في مقتبل العمر، فالحياة بها كل الألوان أسود وأبيض وأحمر!

عيادة&"لايف سيركل"&التي اختارها&البروفوسير&جودال،&قبل عدة شهورلإنهاء حياته فيها،&هي واحدة من العيادات السويسرية التي توفر خدماتها للمنتحر&عن طريق تناول 15 جرام من مادة&"بنتوباربيتال الصوديوم"القاتلة،&وهي تشترط أن يكون المنتحر على&دراية كاملة بما يقوم به،&وأن يتناول الجرعة القاتلة بنفسه&ودون تدخل الأطباء.

إن تأمل لحظات الموت في حد ذاتها أمر مزعج فكيف يسمحون بذلك وبكل هدوء&؟!!، لقد عاد&الجدل يحتدم مرة أخرى بشأن دوافع الانتحار&بالموت الرحيم ومدى&شرعيته&الدينية والأخلاقية،&وهل من حق الإنسان الطاعن في السن أو المريض بمرض عضال اللجوء إلى الموت الرحيم شفقة به؟مع انتهاء حياة العالم الأسترالي&في العيادة السويسرية.

سويسرا هي البلد الوحيد في العالم الذي يقبل بمساعدة غير المقيمين فيها على&الانتحار،&لهذا تنتشر سياحة الانتحار&إليها، وهناك&أكثر من عيادة مخصصة لهذا الغرض فيها،&ويأتي زبائن&لها&من كل&أنحاء العالم&خاصة من ألمانيا،&وإيطاليا،&والمملكة المتحدة حيث تحرم القوانين في تلك البلدان الموت الرحيم.

دخلت تلك الخدمة&في ذلك البلد&في&عام& 1941،&&ورافقها&من ذلك الحينشروط&صعبة&،أهمها التيقن من الصحة العقلية للمنتحر، &ولماذا&يختار&الموت كحل؟، &أيضا يتم الاطلاع من قبل أطباء العيادة على كافة&التقارير الطبيةالمثبت بها حالة المنتحر، ويتم&التأكد من&حالته الصحية&العامة، وصحته العقلية&قبل&إعداد تقرير شامل عن حالته،&وفي حال تمت الموافقة واجمع الأطباء علي ذلك،&يتم تجهيز العقار السام&شرط&أن يقوم المنتحر بتناوله&بنفسه&،&وأن لا يكون خاضعا لتأثير شخص&آخر.

في ألمانيا&رفض البرلمان في سنة 2015 سن قانون&يسمح بالموت الرحيم،وهناك عقوبة تصل إلى السجن 3 سنوات إذا&ثبت تقديم عقار قاتل&للمرضي الميؤوس من شفائهم مثل مرضي السرطان&مثلا،&لذلك يذهب الراغبين في الانتحار إلى سويسرا المجاورة ،&لكن&في&بعض &الحالات&المرضية&الحرجة، لايستطيع الأطباء فعل شئ عندما يقرر المرضي الامتناع&عن تناول الطعام حتي الموت&،&ولا يستطيعون&إجبارهم على&التغذية الصناعية،&لأنهم غير مجبرين على&ذلك وفق القوانين&الطبية.&&

نسبة الانتحار بشكل عام في أوروبا&مرتفعة،&واغلبها في أوساط الشباب بين 15 و30 سنة،&وهم لا يلجئون&عادة&إلى عيادات الموت الرحيم&، لأن اغلبهم يكون مصاب بأمراض نفسية حادة كالاكتئاب،&أوبسبب الشعور بالملل من الحياة المريحة جداً&كما في الدول الاسكندنافية،&فالإنسان عندما يصل الى نقطة الرفاهية الكاملة&يصبح كائن سطحي،&لا يفكر،&لأنه&لم تعد لديهمشاكل تدفعه للتفكير والانشغال بحلها،&ذلك&على&عكس الدول الفقيرة التي ينتحر أبنائها بسبب الفقر وعدم قدرتهم على&مصاريف الحياة.&&

يري بعض المؤيدين للموت الرحيم أنه قد يصبح الخيار الوحيد أمام المرضي والمسنين عندما تتحول حياتهم إلى معاناة لا تطاق، &في وقت يشعرون فيه بانهم&أصبحوا عالة على&آخرين، وأنهم لا يستطيعون تقديم أي شئ إيجابي للمجتمع ، &فتنتعش&لديهم&رغبة&مغادرة الحياة سريعا دون ألم،&وهذا ما عبر عنه العالم الأسترالي الذي قال: إنه لم يعد سعيدا&في هذه السن،&وأنه&يعاني منذ سنتين من مشاكل في الإبصار،&ووهن في الجسم،تجعله عاجزا&تماما&عن خدمة نفسه.&

الرغبة في الموت بشكل عام&ووفق علماء النفس هو شعور يجتاح الكثير من الناس في أوقات مختلفة من الحياة، ولا يستطيع&أي إنسان يساوره هذا الهاجس أن يلجا&إلى&عيادات الموت الرحيم،&لأنهم سيرفضون ذلك بسبب تشخيص الحالة التي يكون الاكتئاب سببها وهو مرض يمكن علاجه.

قد يكون من المنصف أيضا أن تفتح عيادات الموت الرحيم أبوابها لأصحاب القلوب العمياء،&والضمائر الميتة،&من ناهبي ثروات الشعوب،&والفاسدين،والحكام&الظلمة، وهي&بالتأكيد&قريبة جدا من البنوك السويسرية التي يكدسون فيها&أموالهم،&ومن البحيرات والجبال التي يقضون فيها عطلاتهم بأموال&فقراء تلك الشعوب&،&نتمنى ألا يخطؤوا&في&العنوان&،&وسنضمن لهم موتة فاخرة&لا&يشعروا فيها بأي&ألم.