زارتني قبل أمدٍ&ليس ببعيد عائلة ابنتي المقيمة في بلاد الثلج والزمهرير فهللتُ&فرحا بهم بعد&ان&ولّت الوحشة منّا وحزمتْ&حقائبَها ورحلت هي&الأخرى&لتفسح المجال لنا لننشر دفء المحبة ونجتمع معا في&ايام&جميلة قد لا&تتكرر لاحقا.

كنت على الدوام&طيلة وجودهم معي&في بغداد&ألاعب أحفادي الصغار؛&وكم يتشوق شيخ هرم مثلي&ان&يرى نبتَه يكبر وينمو ويشيّد عائلة متحابّة ويثمر هو&الآخر&أغصانا وبراعم يانعة&تنعم بربيع لقاءٍكاد&ان&يكون عسيرا&ولمّة&حلوة&أوشكت&ان&تصير حلما صعب التحقيق&، فما أحلى اللعب مع الصغار والاستزادة من فيض البراءة الملائكية والطهر والعفويّة الكامنة فيهم حينما تجيئك&حفيدتك&بكل محبة وتعلّق وهي تشدو أمامك :&جدو&&جدو.

ففي يوم جمعةٍ&وخلال وجودهم وقضاء زيارتهم معنا&هممتُ&ان&أزور أصدقائي كعادتي في نهاية&الأسبوع&وأصلهم في شارع متنبي بغداد كي نلتقي ونتبادل الحديث في الأدب والسياسة وأوضاعنا المربكةوغير المربكة واعتذرتُ&من ابنتي&لأستأذن بالرواح&الى&لقاء أصدقائي&لأني&سأغيب عنهم بضع ساعات.

وما&ان&سمعتْ&حفيدتي&الخاتون&الصغيرة&اسم شارع المتنبي ؛&أصرّتان&تكون بصحبتي&وتجول معي هناك&وبرّرتْ&كلامها ببلاغة راقت لي قائلةً&:&

---&كيف اسمع بشارع المتنبي ولا أراه وهو&الأقرب&لي&الان&مسافةً كقربه&الى&قلبي ،&فشعرت بالفرح&لأنها&لم ترَ مرفق بغداد الجميل&وسوق كتب المتنبي&ويكاد يكون هذا المكان الوحيد المتميز بجماله&في حالنا&الكئيب المكفهرّ&الآني.

أزادتْ&خاتونتي&الصغيرة&من طلباتها&دلالاً مع جدّها وقالت&انها&تريد سماعة هاتف نقّال من النوع الفاخر لتتسلى وحدها بتلفونها الذكي الجديد مع دمية&"&باربي&"&وأضافت طلبا&ثالثا&آخر&ان&تشتري&بالوناًملوّنا كبيرا&لتزهو&به&وهي تتمايل فرحا في شوارع وأزقة بغداد&فأذعنتُلتلبية كلّ طلباتها&حال وصولنا.

ما&ان&وصلنا مقصدنا ؛&جلست في المقهى المعتاد&حتى استقبلني احد&الأصدقاء&الأدباء&مرحبّا&سعيدا بقدومنا&؛&وفجأة وبدون سابق إنذار منه أخرج من جيبه سماعة هاتف جميلة جدا وملوّنة وأعطاها لحفيدتي بكل رحابة صدر&دون&ان&يدري&انها&تتشوق لشرائها.

حقا دهشت لهذه&الهدية الصدفة لكني كتمت دهشتي أمام صديقي واستأذنته بالانصراف&شاكرا صنيعه&على&أمل العودة مجدداللمجالسة معه&بعد تلبية طلبات حفيدتي&الأخرى.

وما&ان&خرجت من باب المقهى حتى بادرني صديق&فنان&غرافيتي&بارع في رسوماته على الجدران&وغير الجدران&وأعطى حفيدتي بالونا منتفخا غاية في الجمال&رسمت&عليه بعض ملامح بغداد ومناراتها العالية وأسواقها العتيدة&وأخذتْـه&في يدها&مسرورة&به&وهو معلق بخيط يراوح في الهواء&حتى نسيَتْ&ان&تقول له شكرا بسبب سعادتها المفرطة&به&وبرسوماته المتقنة على سطحه.&

بعدها دخلنا المركز الثقافي البغدادي ورأينا وسط ساحته أنواعا من الدمى&"&الباربية&"&الزاهية&الألوان&، مختلفة&الأشكال والأحجام وكلها جميلة تشدّ أنظار الفتيات بمثل عمرِها.&

قررتُ&ان&اشتري لها ما يروقها فسألت احد الواقفين جنب الدمى عن سعر لعبةٍ&أشرتُ&اليها&فقال لي&ان&الألعاب&هنا لا&تباع ولكن&يمكنك&أخذها&كهدية لهذه الفتاة الرقيقة القلب&بدون مقابل لو&أجبْـتـني&على سؤال تُخرجه مكتوبا في قصاصة ورق في هذا الصندوق القريب منك&،&ومددتُ&يدي وانتشلت ورقة كُتب عليها سؤال يَسير&أجبتُ&عليه عاجلا فأعطاني الدمية التي أعجبتْ&حفيدتي&الخاتون&الصغيرة&وهو في غاية الامتنان والحبور.

ما هذه الصدف الثلاث السعيدة التي أبهجت صغيرتي قبل&انتبهجني وحفظتْ&نقودي&في جيبي&التي خصصتها&لشراء&طلباتها الثلاثة!

اية&فسحة ممتعة&وأنا أرى&كلّ ما&تهفو&اليه&خاتونتي&الصغيرة&يأتيها ويغدو طوع أمرها&في بلاد أجدادها التي تطأها&اول&مرة؟!&

لا أخفي&اني&لم&اكن&أعبأ قبلا بما يقال بان الصدفة خيرٌ من&ألفميعاد&حتى لمستها بيديّ ورأيتها بأمّ عينيّ&.

وكم كنت جذلا سعيدا يومها&وانا&أتملّى&حفيدتي الصغيرة&تبدو عليها بشائر البهجة في وطن أجدادها الذي منحها كرم أهليه النجباء وأراها نبل العراقيين الذي سيعْلق بذاكرتها طوال&حياتها وربما تقصّ حكايتها على أولادها&وأحفادها كما قصصتها أنا عليكم&الآن .