"نسعى لوظيفة دولة، فموظفو الدولة هم أكثر الناس استقراراً وأماناً مالياً في هذا البلد"... هذا كان حلم الكثير من اللبنانيين الذين يبحثون عن الأمان المعيشي&في بلد يفتقد لأدنى مقومات الأمان... هذا كان طموح شباب&يتخرجون من&الجامعات لأنه حسب المفهوم الاجتماعي "موظف الدولة" هو أكثر الأشخاص المحصّنين&بالاستقرار المادي.&

إلا أن السياسيين&في بلدي&قرروا حتى تحطيم هذا الحلم المحدود الأفق، تحت ذريعة التقشف لسد عجز مديونية الدولة؛&دولة أفلسوها&بتسيّبهم&وبدل أن يعالجوا&أسباب&العجز،&والذي يبدأ بصفقاتهم بالمليارات ولا ينتهي بالتهرب الضريبي والرواتب الخيالية لبعض أتباعهم...&يبحثون عن كبش فداء، ومن غير هذا الشعب الفقير نفدي به الوطن!&

نغضب،&نلعن، نثور&وأقصى ما يمكننا&فعله&كتابة تغريدة تعبّر عن غضبنا، وإذا أثقل أحدنا&العيار على الساسة&ومسّهم كلامه&قد يدّعون عليه بجرم القدح والذم ويستدعونه&للتحقيق... نعم نحن يحقّق معنا على تغريدة وهم لا يحقق معهم على بلد سرقوه&بجوعهم المرضي للمال والسلطة!

بعضنا نزل وينزل إلى الشارع،&ولكن في الحقيقة&زواريب السياسة&تفرقنا أكثر من ما يجمعنا شارع وجعنا على يومياتنا التي حولها السياسيون إلى مقيتة،&مقيتة&في بلد أصبح جلّ هموم المواطن&فيه&أن يحمي لقمة&عيشه ليبقى على قيد الحياة.&

ألا يحق لنا نحن الشعب،&الذي ينام ويستفيق على فضائح&سرقات السياسيين، أن ندّعي عليهم لأنهم نهبوا&مقدرات&هذا البلد على مدى سنوات&وسنوات؟&ألا يحق لنا أن نقاضيهم لأنهم بدل أن يتحملوا مسؤولياتهم،&عندما جفّ المنبع صاروا يولولون "سينهار الاقتصاد"،&وضعوا حصناً منيعاً على مداخيلهم ومخصصاتهم وترفهم&على حساب الخزينة،&ورفعوا&شعار&مكافحة الفساد على الشعب...&لا يخجلون حتى!&

نعم من الشعب، هناك من&يسرق الكهرباء، كما وصفت الوزيرة العتيدة، وهناك من&يتهرّب من الضرائب ويخالف ويرشي ليحصل على خدماته بسرعة،&وأحياناً بطرق غير قانونية؛&ولكن&الفضائح كشفت أن بعض المسؤولين أبرموا صفقات بالمليارات على ظهر الكهرباء وغيرها، وأيضاً هناك مسؤولين يخالفون ليس فقط القوانين بل الأعراف الأخلاقية برمتها&وأوصلونا إلى الحال الاقتصادي المتردي الذي نتخبط فيه.&ومع أن الفقر قد يكون الدافع في الكثير من مخالفات الشعب، إلا أن هذا الشعب يُحاسب أكثر من المسؤول&المتخم&بجشع المال والسلطة!

خرج وزير المال&يطالعنا&بفضائح&أبناء&السلطة، عرض لائحة&أرقام تظهر الهدر والسرقات في القطاع العام، خبايا&لم&نكن نعرفها، ومن المؤكد هناك خبايا أكثر.&حدّد بالأرقام والمواقع هدر بالميارات: مسؤولون يقبضون رواتب&عدة، موظفون يتقاضون رواتب خيالية وتحفيزات تصل إلى الخمسين والستين مليون ليرة (أي ما يعادل 40 ألف دولار أميركي)&شهرياً، قطاعات متوقفة منذ زمن&ولكن عداد الرواتب فيها&لا يزال شغالاً&لموظفين وهم في منازلهم، والسخرية أنه بالأمس القريب أُعلن عن&توجّه&لرفع هذه الرواتب... وغيرها وغيرها من المحسوبيات والزبائنيات السياسية التي تخدم السياسيين ومصالحهم الانتخابية!

طرح&وزير المال&جملة قرارات لمعالجة&مزاريب&الهدر&تلك،&والمفارقة أن أي من تلك القرارات&لم يقترب من مخصصات أبناء السلطة، مع العلم أنه&في رد على سؤال أحد الحاضرين عن&المسؤول عمّا وصلنا إليه قال: لا أحد فوق الغربال، كلنا مسؤولون، كل شخص كان في الحكم مسؤول.&

هذا اعتراف صريح وواضح، ولكن إلى ماذا أفضى؟ لا شيء؟ لم نسمع أي تحرّك لأي جهة رقابية لتحاسب!&ما سمعناه قرارات تطال الناس الذين استضعفوهم وما&زالوا،&علماً أن القاصي والداني بات يعرف أن رائحة الفساد تفوح بالدرجة الأولى من الطبقة السياسية الحاكمة؛&طبقة لا تستحي وبكل وقاحة ترفع شعار مكافحة الفساد.&

لا يجرؤ أي مواطن أن يكون فاسداً إن كان يعرف أنه سيحاسب حقاً. منذ&مدة، ليست ببعيدة، صرّح فنان لبناني كان يعيش في كندا أن العقاب الذي يوجبه القانون&الكندي&هو الذي كان يجبره على الالتزام&بذلك القانون، وذلك ينسحب على كل المواطنين الأجانب. نعم ألم الحساب يجعل الانسان يفكّر جيداً قبل أن يخالف، والفرق بيننا وبين&الدول المتقدمة ليس في وجود القوانين بل في تطبيقها. قد تكون بعض قوانيننا بالية عافها الزمن،&ولكن هناك بعض القوانين&التي قد يفي تطبيقها ببعض الضبط.

السلطة تتمادى&ولم يعد أمام الناس سوى الشارع&الذي اختاروه ليكون الساحة التي&يصرخوا فيها وجعهم... الساحة&ليرفضوا تصفية حسابات السرقة على&حسابهم... قرروا النزول إلى الشارع،&والشوارع قالت الكثير&حول العالم،&فإن&"الثورة تولد من رحم الأحزان"!