عالمٌ عميقٌ من الأسرار الخفية والاعتقادات والمعتقدات والأفكار كوّنت شخصياتنا، يظن بعضهم أنها العالم الحقيقي الصحيح، فيحاول فرضه على من حوله، بلا نقاش، بلا اعتراض.

عالم مليء بالتناقضات. يقولون ما لا يفعلون. يدّعون الانفتاح لكنهم لا يتقبلون حتى النقد. يتمسكون برأيهم وفكرهم، وبحسب الخارطة يتم تحديد أسلوب المعاملة.

منفتح؟ أين الانفتاح؟ وأي انفتاح؟ أين الفكر الحر؟ وجهات نظر لا تُقبل، فرض رأي، إنهاء جهد، كلمات كالرصاص الظالم يوجه إلى كثرة بسبب كره قلّة، آيات قرآنية حُفظت لما يلائم التوجه والفكر.

مشهد حريق كاتدرائية نوتردام الفرنسية اعتبره أحد مدعي الانفتاح خبرًا طريفًا، بإجابة صادمة. كارثة باريس خبر طريف؟! تناسى أن احترام الأديان السماوية جزءٌ من الانفتاح الفكري.

خلق الربّ العقل البشري للتفكير والتأمل والتعلم للانفتاح على الثقافات، للسعي وراء الصواب.

وجد أن عقل الانسان هو بحد ذاته قانون له، يُرشده ويحميه من مخالفات ومخلفات الحياة، فالعقل قانون رباني لا يحتاج إلى سن قوانين دنيويه لإصلاحه. أما أن نجد في كل يوم تُشرق فيه الشمس قانونًا يصدر لضبط العقول، فإنما يدل على وجود عطل، وأحيانًا ثقوب عميقة فيها.

حادثة وقعت في سويسرا. خرج الناس في تظاهرة أسميها انا "تظاهرة احترام العقل"، احتجاجًا على وجود شرطي في الشارع العام. فالمتظاهرون لا يحتاجون إلى من يُسيّرهم ويدلهم إلى ما هو صواب.

إنها إهانة لعقل الإنسان وفكره عندما يُسنُّ قانونٌ لضبطه.

إهانه أن تحاور شخصًا جلّ اهتمامه وتركيزه هو الانتقاص منك، ووضعك في دائرة الاتهام، في دائرة الا شيء.

إهانة أن تكون لغة لسانك القذف والكره والتقليل والهجوم على الآخرين لرفع مستواك وإثبات أنك شيء.

إهانة أن تتواجد في مكان صبيحة كل يوم لتدافع عن نفسك وبيئتك وحياتك ومحيطك لعقول شبعت وجمدت عروق عقلها بأفكار لا تمتّ إلى الواقع بصلة.

تحاول بكل ما أوتيت من قوة وتحمّل وثبات ألا تنخرط في مستنقعهم الفكري، كمتفرج على مسرحية هزلية، ينتهي بك الأمر أن تتابعها لأنك أُجبرت على التعايش معها فحسب.

وإهانة لذاتك وعقلك وشخصك لمجرد التفكير بمسايرتهم أو الرد عليهم. قف فحسب، وانظر واسمع لتعرف ما تحمله هذه العقول من انحطاط.

نجيب محفوظ معلقًا على هذه العقول: "أحيانًا، يكون أحد إنجازاتك في الحياة هو أنك ما زلت بقواك العقلية، وما زلت تتعامل بأخلاق، مع إنك محاط بعدد لا يُحصى من الحمقى".

تتجول في عالم التواصل الاجتماعي، تقرأ ما يُكتب في حسابات بعضهم في تويتر. 140 حرفًا تعج بالكراهية والقذف تستهدف كثيرين.

يهاجمون الكل. ينتقدون ويحبطون وينزعون كل ما يمت إلى الحياة والفكر بصلة، أملًا في أن تفرغ الساحه لهم ولمعتقداتهم، وأن يبتوا لأنفسهم بعدها أنهم على صواب لثباتهم حتى آخر الطريق.

يقرأ مدعي الحرية والانفتاح الكاذب أحرفك، ويستمع إلى آرائك، لا لأخذ الفائدة، بل ليحاول تصيد أي زلة أو ثغرة بين أحرف كلماتك لتحطيمك.

يقول ستيفن كوفي: "معظم الناس لا يصغون بهدف الفهم، بل يستمعون بهدف الرد، وهم إما يتحدثون أو يستعدون للتحدث".

الحرية والانفتاح الفكري يمثلان التصالح مع نفسك، والعالم الخفي الداخلي هو التعايش مع الآخرين باختلاف أفكارهم، باختلاف كل شي، وأي شي.