لا شك أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عقد قمتين طارئتين، خليجية وعربية، في مكة المكرمة في الثلاثين من مايو الجاري، إنما تمثل حرصاً على تبني نهج الحكمة ومعالجة التوتر المتصاعد في منطقة الخليج العربي بسبب السلوكيات والاستفزازات الإيرانية المستمرة في إطار من التشاور والتنسيق الخليجي ـ العربي.

الدعوة للقمتين هي الآلية المناسبة للتعاطي مع الاعتداءات الأخيرة التي نفذتها ميلشيا الحوثي الانقلابية على محطتي ضخ نفط بالمملكة العربية السعودية والهجوم على سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الامارات، وهي اعتداءات تشير إلى استفزاز إيراني متعمد ورغبة في دفع الأمور إلى حافة الهاوية، وهي ممارسات قوبلت بـ&"حرص سلمان بن عبد العزيز على التّشاور والتنسيق مع مجلس التعاون وجامعة الدول العربية في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة"&كما قال مسؤول بالخارجية السعودية.

الدعوة للقمة وربط المراقبين بينها وبين احتمالات اندلاع حرب في المنطقة من الأمور المتداولة في التقارير والتحليلات المنشورة، ولكن الحقيقة أن القيادة السعودية للمنطقة تستوجب العمل على كل المسارات المحتملة، والتحسب كل الاحتمالات، لأن تصرفات النظام الإيراني تبدو أقرب إلى العدوانية وتتسم بقدر عال من الاستفزاز وتعمد التصعيد، وبالتالي يبدو من البديهي حشد التأييد الخليجي والعربي وبناء موقف مشترك وموحد في مواجهة هذه الظروف الاستثنائية باعتبار أن الأمن القومي الخليجي والعربي&"كل لا يتجزأ".

وقناعتي الذاتية أن ترك الحبل على الغارب لإيران في هذه الظروف سيفاقم أزمات النظام الإقليمي العربي، ويقوض الأمن الخليجي، فالنظام الإيراني اعتاد على العربدة الإقليمية في السنوات الأخيرة وسيتخذ من الظروف الراهنة فرصة لتحقيق بقية مآربه والانقضاض على ما تبقى من ركائز الأمن والاستقرار في منطقتنا.

قد يقول قائل إن الكثير من الدول العربية تعاني أوضاعاً داخلية صعبة لا تؤهلها للمشاركة في صنع قرار عربي جماعي قوي ضد إيران، وهذا صحيح وهو أيضاً سبب قوي كي تقوم الدول الخليجية والعربية التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن الأمن القومي العربي وصونه في المرحلة الراهنة بواجباتها للتصدي لأطماع إيران التوسعية ولجم الاندفاع الاستراتيجي الإيراني الذي يقضم كل يوم جزءاً جديداً من السيادة العربية.&وليس معنى انشغال بعض الدول العربية بمشاكل داخلية تلعب فيها إيران وأطراف أخرى أدوار رئيسية، أن يتخلى الجميع عن ركائز الأمن القومي الخليجي والعربي.

قناعتي الذاتية أيضاَ أن المملكة العربية السعودية لا تريد استصدار قرار جماعي خليجي وعربي بالحرب ضد إيران في هاتين القمتين بل تسعى إلى إرسال رسالة قوية لنظام الملالي بأن يكف عن العبث بأمن المنطقة وأن يدرك أن هناك اصطفاف خليجي وعربي موحد يرفض ممارسات وسلوكيات هذا النظام، وأن يدرك الملالي أن رغبتهم في إحداث وقيعة عربية ـ عربية، والانفراد بدول بعينها مسألة لن تحدث في ظل إدراك قادة دول المنطقة لما يحاك ضد الأمن القومي الخليجي والعربي في هذه الظروف الحساسة.

هناك رسالة قوية أيضاً ينبغي أن تصدر من مكة المكرمة إلى نظام الملالي بالكف عن السعي لإشعال صراع طائفي ومذهبي في منطقة يعتبرها العالم أشبه ببرميل البارود، والكف أيضاً عن التعامل مع الوكلاء والأذرع الطائفية العميلة لإيران والتي باتت جزءاً لا يتجزأ من أسباب التفتت والتفكك والصراع الإقليمي، فالميلشيات الموالية للملالي في العراق وسوريا واليمن ولينان هي أحد روافد الفوضى والاضطرابات الإقليمية في المرحلة الراهنة، وهذه حقيقة لا يمكن انكارها، ومعالجتها تبدأ من انتهاج إيران سلوك الدولة الطبيعية التي تخضع للقوانين والمواثيق الدولية وتتصرف كعضو مسؤول في الأسرة الدولية.

يجب أن يدرك نظام الملالي أن أي استهداف للمملكة العربية السعودية ودولة الامارات لن يمر مرور الكرام، ليس فقط لقدرة الدولتين على الرد بحسم وحزم على أي اعتداءات أو انتهاك لسيادتهما الوطنية، ولكن أيضاً لما تمثله الدولتان من مكانة وثقل معنوي في المحيط العربي والخليجي، بما من مجرد طرح أو مناقشة فكرة التحرش عسكرياً بهما أو الصراع معهما نوع من الجنون والطيش الاستراتيجي، لأن الملالي يضعون أنفسهم بأي قرار في هذا الاتجاه في دائرة تصويب العالم أجمع، ولاسيما العالم العربي والإسلامي، الذي لا يمكن لشعوبه أن تتخلى عن مساندة السعودية والامارات في مواجهة أي اعتداء خارجي.

الحقيقة أن نظام الملالي يتسم بقدر عال من التهور والمجازفة، ولكنه أيضاً يمتلك خطوطاً حمراء أهمها ضرورة تفادي كل مايهدد مصيره ومستقبله السياسي، ولكن تبقى الإشكالية في أنه لا يكف عن اثارة التوترات وتسخين الأجواء بما يزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل دائم.