الحرب العقائدية هي احد اشكال الصراع بين طرفين&خاصة عندما&يتبنى كل منهما عقيدة او أيديولوجية مختلفة .انها حرب عاطفية تجمع قلوب ومشاعر المريدين والاتباع عبر قصص يختلط فيها الحق بالباطل والماضي بالحاضر، ثم تتحول المبادئ السامية الى أفكار عدوانية ثم الى سلاح فتاك يحمله المتعاطفون والمؤمنون بهذه العقيدة التي هي بالنسبة لهم الوطن والاهل والدين .

النظام في ايران احد اهم القوى الإقليمية التي تعتمد على قدرتها في الحشد العقائدي كسلاح أساس تستخدمه للردع والهجوم في ذات الوقت، وهذا ما دشنته في مطلع حياة الثورة الإيرانية وتحديدا في حرب الخليج الأولى في الثمانينات.&

اعتبر النظام ان حربه مع العراق هو صراع يخوضه بالنيابة عن كافة المضطهدين من اتباع المذهب الشيعي، واستخدمت ايران في حربها النفسية بعض العبارات والقصص المستلة من التاريخ لتأجيج مشاعر الشيعة في كل مكان.

تنامت قدرة ايران على استخدام الحشد العقائدي عبر السنوات، ونجحت في زرع وتغذية الميليشيات والأحزاب والتنظيمات السياسية الموالية لها في المنطقة العربية، ولم يتعامل الغرب مع هذه التنظيمات بالردع والحدة التي نراها اليوم بل تركها للأهمال المتعمد تارة وللتقليل من قدرتها على التأثير تارة أخرى. ولم يتم الإشارة الى خطورة هذه التنظيمات الا بعد ان تنامت قوة هذه التنظيمات وتغيرت عقيدتها القتالية واساليبها التنظيمية والتمويلية، و نجحت في الانتشار في المواقع الاستراتيجية المهمة التي تحتل قلب الصراع الدولي في الشرق الأوسط، حتى غدت هذه الميليشيات لاعباً أساسيا في هذا الصراع.

&
&سلاح ايران العقائدي لم يعد يستهدف اتباع المذهب الشيعي في المنطقة العربية، بل انه صار ينتشر بصورة واسعة في مختلف بقاع العالم سواء كانوا معتنقين واتباع للمذهب الشيعي او حتى&من&أبناء الجاليات المسلمة من المذاهب الأخرى الذين صاروا ينظرون الى ايران بانها النموذج السياسي والروحي الفعال وهم يبنون مقاربتهم على أساس ان هذا النموذج استطاع تحقيق النجاحات الاستراتيجية التي جعلت من ايران قوة إقليمية لا يستهان بها.&

من جهته عمل النظام الإيراني -ومنذ نجاح "الثورة الإسلامية " في عام 1979- الى تقديم الدعم المباشر وغير المباشر لهذه الحركات الشيعية في كل مكان في العالم بمختلف الطرق والأساليب و مسخرا كل طاقته وامكانياته السياسية والمالية والدينية، وقدمت ايران نفسها كداعم لمظلومية الأقليات الشيعية في العالم.

&فقد وقف الامام الخميني مع المظاهرات التي اجتاحت باكستان عام 1980 على اثر قانون فرض الزكاة على أموال كل المسلمين في باكستان الذي اقره الحاكم العسكري الباكستاني السابق ضياء الحق والتي التي قامت بها منظمة "تحريك الجعفرية" والتي تعتبر من اقوى الحركات الشيعية في باكستان وأكثرها تشدداً . استطاعت الحركات الشيعية عقب احداث اسلام اباد من ان تفرض وجودها السياسي القوي في الحياة السياسية الباكستانية بدعم من النظام الإيراني الامر الذي اعترف به صراحه زعيم حركة تحريك الجعفرية " ديدار" والذي يتفاخر بان لجماعته صلة بإيران قائلاً " ان لدينا ايدولوجية مشتركة تدعونا للوقوف متحدين خلف المرشد الأعلى -علي خامنئي- الذي نعتبر كلماته امراً لنا".
الدعم الإيراني تجاوز الحركات السياسية الشيعية في باكستان ، فالنظام الإيراني نجح في تشكيل العديد من الميليشيات المسلحة التي تعمل في جنوب اسيا ومن ابرز هذه الميليشيات والتنظيمات هو " لواء زينبيون" الذي يضم مقاتلين من الشيعة الباكستانيين من قبائل البارتشينار وخيبر بختونخوا وهم منتشرون في مدن فيصل اباد وإسلام اباد وكراتشي ومناطق الحدود الباكستانية الصينية. وأيضا " لواء الفاطميون " الذي يضم مقاتلين من الشيعة الافغان واغلبهم من قبائل الهزارة الطاجيك والقزلباش وهم منتشرون مناطق كابل وباميان ومزار الشريف ويبلغ عددهم ما يقارب 3000 مقاتل، وكان اغلبهم مقاتلون مدعومون من قبل الولايات المتحدة ضد الاحتلال السوفيتي السابق.

يشرف الحرس الثوري الإيراني على تدريب مقاتلي هذه الميليشيات في الأراضي الإيرانية وتم منحهم الإقامة في ايران ورواتب شهرية . وقد ساهمت هذه الميليشيات في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامي " داعش" ، في العراق وفي سوريا جنباً الى جنب مع قوات نظام بشار الأسد وكانت ثاني قوة قتالية بعد حزب الله.
ايران لا تتحرك فقط على نقاط تواجدها الإقليمي في جنوب اسيا بل انها تعمد الى تشكيل وجود شيعي لها لدى الأقليات المسلمة في جنوب شرق اسيا وخاصة في الفلبين وتايلاند وماينمار وإندونيسيا. وهي بذلك تستخدم ما تعانيه هذه الأقليات المسلمة من فقر واهمال واضطهاد وتنكيل، فتسعى الى استقطاب أبناء هؤلاء المضطهدين من خلال تنظيمهم عبر الحوزات والحسينيات التي تشتري ولاءهم وتستغل غضبهم من سوء المعاملة والعزل الذي يعانون منه في مجتمعاتهم الى تحوله الى ولاء وانقياد للعقيدة التي تحاكي شعورهم بالظلم، ثم تعمد بعد ذلك تنظيمهم ليتحولوا الى مليشيات مسلحة تدافع عن نفسها داخل هذه المجتمعات من جهة وتقاتل مع النظام الإيراني الذي يدعمها في كل مكان .

لقد سربت تقارير وكالة الاستخبارات الامريكية عن تزايد انتشار التجمعات الشيعية في جنوب شرق اسيا وان هذا الانتشار وان كان أبطئ من انتشار التنظيمات الإرهابية العالمية -القاعدة وداعش- الا انه لا يقل خطورة عنه في التنظيم والانتشار .&
ايران نجحت أيضا في التوغل في المجتمعات الاوربية عبر أسلوب اخر يختلف عن اسلوبها في اسيا . حيث حاكت المنظمات الشيعية -الإيرانية الدعم - النموذج الليبرالي الأوربي في تشكيل الجمعيات والمنظمات ذات الطابع الاجتماعي الخيري. وعلى عكس اغلب منظمات اهل السنة والجماعة المتشددة والمنغلقة، اتبعت المنظمات الشيعية أسلوب الانفتاح وتقديم الهبات والهدايا وفتح الأبواب، وجعلت نشاطاتها اشبه بالنشاطات الثقافية والخيرية لكي لا تثير حفيظة المجتمعات الاوربية ، مستفيدة في ذلك من الدعم اللوجستي الذي يقدمه رجال الدين و رجال الاعمال والمستثمرون والاثرياء الإيرانيون وغير الإيرانيين من اتباع المذهب الشيعي في اوربا والولايات المتحدة، والذين تربطهم علاقات وثيقة وعريقة مع النظام الإيراني وخاصة مع الحرس الثوري الإيراني الراعي الأول لهذه النشاطات في مختلف ارجاء العالم.
القدرة على تحشيد هذا الولاء العقائدي يمثل خطراً كبيراً يجعل من هذه الحركات والمنظمات التي تدعمها ايران قنابل موقوته داخل مجتمعاتها. نعم ان التنظيمات العقائدية لاتزال تحت السيطرة بفعل قوة المؤسسة السياسية في ايران، الا ان أي صراع عسكري شبيه بالذي تلوح ملامحه اليوم في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وايران، قد يؤثر على قدرة المؤسسة السياسية على التحكم في هذه التنظيمات، وبالتالي قد تتحول هذه التنظيمات الى عصابات منفلته تحاكي نموذج داعش الشبحي وقدرته على التخفي والانفجار بين المدن. وهو امر قد ينذر بولادة خطر اشد فداحة من داعش على الامن والسلم في الشرق الأوسط والعالم.

واذا كانت الولايات المتحدة تعتقد انها قد حدت من تأثير الحرس الثوري الإيراني عندما حولته الى منظمة إرهابية ، فأنها قد تكون مخطئة . فالحرس الثوري الايراني سيتحول الى رمز جامع لهذه التنظيمات المصنفة أصلا على انها إرهابية، وهو عندما رد على الولايات المتحدة بان اعلنها دولة إرهابية يكون بذلك اعطى الضوء الأخضر لاتباعه بان يهاجموا المصالح الامريكية في أي مكان في العالم في حال تعرضت ايران الى أي عمل عسكري شامل.

ايران سوف تراهن على التفسير العقائدي للصراع مع الولايات المتحدة، وسوف تسعى الى كسب قلوب المريدين والاتباع من خلال تفسير صراع القوة والنفوذ في الشرق الأوسط على انه ضمن دائرة الحرب على الإسلام، وهذا ما سوف يزيد من خطورة السلاح العقائدي لأنه سوف يصبح امتداداً لسلوك الجماعات الإرهابية السلفية المتشددة وربما يتحالف معها مشكلاً وحدة عقائدية تجمعها منطلقات الصراع الديني المتشدد والعدو المشترك حتى ان افترقت معها في الأيديولوجية.