فالح الحُمراني من موسكو: أعلن محلّلون سياسيون أن ما يحمل اسم "كومنولث الدول المستقلة" أصبح كيانًا ميتًا ولاجدوى منه، اضافة، الى سائر المنظمات الأخرى القائمة في الساحة السوفيتية سابقا. ويرى الخبراء ضرورة إيجاد فكرة جديدة تدعو إلى جمع شمل بلدان الاتحاد السوفيتي السابق بعد ان استنفذ الكومنولث دوره التاريخي.

من ناحيته لا يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستقبلا لـ"رابطة الدول المستقلة" ما لم تتحول هذه المؤسسة إلى مركز سياسي قوي يقود مسيرة التكامل في الساحة السوفيتية سابقا، وبالتالي فإن فشل مشروع "رابطة الدول المستقلة" سيؤدي إلى تمييع هذه الساحة الجيوبوليتيكية. وكان الرئيس بوتين اكد الاسبوع الماضي ضرورة وضع استراتيجية متكاملة وطويلة الأجل لتحريك مسيرة التكامل في هذه الساحة.

ونقلت جريدة "روس بيزنس كونسالتينغ" الإلكترونية عن خبراء انهم يعتبرون ما يحمل اسم "رابطة الدول المستقلة" الذي ظهر مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ميتا. وعزت الصحيفة السبب الى ان ان روسيا تدعم جميع المشروعات التكاملية تقريبا في هذه الساحة رغم انها تمنى بخسائر بسبب بعضها. ويرى هؤلاء الخبراء ضرورة ان تتخلى موسكو عن غالبية هذه المشروعات غير الواعدة وتركز على التكامل السياسي والعسكري وأيضا على تكوين طبقة حاكمة جديدة لديها النزعة التوحيدية في الساحة السوفيتية سابقا.

ويقول المحلل السياسي الكازاخي رستم ليبيكوف ان ما أطلق عليه اسم "كومنولث الدول المستقلة" كان قد مات ولا داعي لإحيائه لأن هذه المنظمة كانت قد استنفدت رسالتها كمؤسسة تدير انفراط عقد اتحاد الجمهوريات السوفيتية. ويشير إلى ان هذه المنظمة لا تستطيع ان تقود مسيرة التكامل لأنها تضم دولا مستقلة كما يشير إلى ذلك اسم المنظمة.

ويقول فلاديمير جاريخين، نائب رئيس معهد الدول المستقلة الجديدة، ان القيادة الروسية اكتشفت أخيرا ان هناك أطلالا وأنقاضا في مكان بناية "رابطة الدول المستقلة". ويشير إلى ان جمهوريات البلطيق رفضت الانضمام إلى هذه "الجامعة" منذ البداية، فيما فشل مشروع إقامة دولة الوحدة بين روسيا وبيلوروسيا. وبالنسبة إلى أوكرانيا فلا مكان للحديث عن جلوس شخص ذي ميول روسية على قمة السلطة فيها.

ويفضل رئيس جمهورية مولدافيا ان يتلقى اتصالات هاتفية من الاتحاد الأوروبي. ويشوب التوتر علاقات روسيا مع جورجيا. وتأهبت النخبة الحاكمة في كل من أرمينيا وأذربيجان للابتعاد عن روسيا. أما في ما يخص آسيا الوسطى فقد دخلتها قوات حلف الناتو. وهناك مشكلة حتى مع طاجيكستان "المستأنسة".

وفي رأي الخبراء ان جميع المشروعات التكاملية الأخرى تقريبا في الساحة السوفيتية سابقا فشلت أيضا. ويقسم "الكسندر سوبيانين" من رابطة التعاون الحدودي هذه المشروعات إلى قسمين.. قسم يستدر تسهيلات اقتصادية من روسيا مقابل الكلام الفارغ في الصداقة والتكامل والتعاون، وقسم يخدم المصالح الأميركية في الساحة السوفيتية سابقا تحت لافتة "السياسة المتعددة الاتجاهات" التي تمارسها "الدول المستقلة". ويقول الخبير ان روسيا تخسر وتتضرر من
هذا وذاك بينما الولايات المتحدة الأميركية هي المستفيدة.

ويوضح "الكسندر سوبيانين" ان مسيرة التقارب في الساحة السوفيتية سابقا يجب ان تسير أولا على مسار منظمة معاهدة الأمن الجماعي (روسيا وأرمينيا وبيلوروسيا وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان) في المجالين السياسي والعسكري، وعلى مسار المجموعة الاقتصادية الأوراسيوية (روسيا وبيلوروسيا وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان) في المجال الاقتصادي. ويعطي الخبير التكامل العسكري السياسي أولوية لأن ما يمكن ان يرغم قادة الجمهوريات السوفيتية السابقة على قبول ما تقترحه روسيا بشأن التكامل هو شعورهم بأنهم مهددون من قبل دول الغرب. أما العامل الاقتصادي فهو ثانوي في علاقات روسيا مع بلدان الجوار، كما يقول "الكسندر سوبيانين"، لأن روسيا تملك من الموارد المالية ما يقل عما تمتلكه الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي دائما.

ويرى "فلاديمير جاريخين" ضرورة تغيير المدخل إلى العمل بين الأوساط الحاكمة في الجمهوريات السوفيتية السابقة. ويقول ان روسيا ستضطر إلى إنشاء منظمات غير حكومية مثل جمعيات الصداقة لتعمل بين الأوساط الحاكمة في هذه البلدان التي لا يزال يوجد فيها ذوواتجاهات روسية وان تم تهميش دورهم، إذ يقوم من جندهم الغرب بالدور الرئيسي. ومع ذلك فإن الفرصة لا تزال متاحة للعمل بين هؤلاء. ويرى الخبير ان القيادة الروسية أدركت انه يجب ان تعمل روسيا شيئا ما حتى لا يصل أمثال "ساكاشفيلي" رئيس جمهورية جورجيا إلى الحكم في جميع بلدان الجوار.

ويرى "الكسندر سوبيانين" انه يمكن إيجاد الكوادر المطلوبة للمؤسسات الحاكمة في الجمهوريات السوفيتية السابقة والتي ستكون لديها النزعة التكاملية من خلال عمل ممثلي هذه البلدان في المؤسسات والهيئات المشتركة مشددا على ضرورة ان يتعامل هؤلاء مع القضايا العامة التي تهم "المجتمع الأوراسيوي" بأكمله وليس بلدانهم فحسب.
ويرى الخبراء ضرورة إيجاد فكرة جديدة تدعو إلى جمع شمل بلدان الاتحاد السوفيتي السابق. وفي رأي "يوري كروبنوف" وهو رئيس حركة اجتماعية تدعى "حزب روسيا" ان الذي يمكن ان يلهم الناس ويشجع الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة هي الدعوة إلى تحسين الأحوال المعيشة..

ويبدو ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتفق مع هذا الرأي. فقد قال الرئيس بوتين حينما شاهد آثارا تاريخية في شمال غرب روسيا مؤخرا ان الناس على اختلاف أحوالهم المعيشية كانوا يطمحون إلى حياة جميلة، وربطوا هذه الغاية بتكامل الشعوب.