"كل ما كنت أريده هو معرفة مدى صحة ما يقال عن حركة طالبان. في تلك المرحلة لم يكن لدي أي شيء أفعله في مدينة سبتة. درست لسنوات قليلة و بقيت من دون عمل , إضافة إلى أنني مسلم" بهذه العبارات بدأ المواطن الإسباني المغربي الأصل حامد عبد الرحمان أحمد الملقب بحميدو حكايته عن فترة الجحيم في سجن غوانتانامو بعدما أطلق سراحه ووصل منزله نهاية الأسبوع الماضي.
يقول حميدو لصحافي يومية "إيل موندو" الإسبانية "هنا في سبتة توجد الكثير من المخدرات والعنف والفساد وعلى الخصوص في الحي الذي نسكنه. بسبب ذلك بدأت أبحث عن نموذج بديل أشبع به حاجاتي الروحية وأصبحت مؤمنا جيدا و أقترب أكثر من الله. حلمت دائما بالدراسة في مدرسة قرآنية هناك في أفغانستان حيث الإسلام الحقيقي . كذلك فإنني لم أصدق أبدا أن أولئك الناس في أفغانستان (طالبان) يمكنوا أشرارا, كما يقال عنهم, لأن المسلم الحقيفي لا يختلق الحروب" .
حامد عبد الرحمان كان عمره ستة وعشرون عاما عندما ترك حيه المسمى "برانسبي" الخاص بالمغاربة في سبتة في حزيران (يونيو ) سنة 2001 و توجه إلى وجهة مجهولة. بضع سنوات بعد ذلك ستتداول وكالات الأنباء العالميه خبر وجود مواطن إسباني مسلم في معتقل غوانتانامو السيء الذكر.
يحكي حامد بكثير من المرارة عن فترة وجوده في أفغانستان ووقوعه أسيرا في يد القوات الأمريكية و ترحيله إلى سجن غوانتانامو "في الحدود بين إيران و أفغانستان التقيت شرطيين من حركة طالبان يتكلمان العربية. قلت لهما إني أريد الذهاب إلى قندهار من أجل المشاركة في أيام دراسية إسلامية وطلبت منهما مساعدتي من أجل الوصول. استقبلاني جيدا لأن أفراد حركة طالبان متعودون على أستقبال الأجانب. دعوني إلى تناول كأس شاي وتناولنا معا حلويات إسبانية كنت أحملها معي. ركبت سيارة أجرة و توجهت إلى قندهار حيث وصلت مكانا رائعا وهادئا بحدائق واسعة وفضاءات مفتوحة. أعطوني سكنا وتركوني أشارك في الدروس من دون أي مقابل. كل ما كنت أقوم به هو العناية بالحديقة وأزهارها والمساعدة في أشغال المطبخ. كان هناك الكثير من الأجانب, آسيويون على الخصوص, و الحياة كانت جد مسالمة".
و بضيف حامد "كل شئ صار بشكل عادي إلى حدود 11 أيلول (سبتمبر). كنا نتعشى و نحن نستمع إلى الأخبار باللغة العربية من قناة اسمها "صوت أمريكا". فجأة أوقفوا الإرسال ليقولوا أن برجي التجارة في نيويورك تعرضا إلى حادث بعدما اصطدمت بهما طائرة. فوجئنا قليلا بالخبر لكننا لم نعطه أهمية كبيرة. هناك في أفغانستان كنا بعيدين عن كل شيء. أغلقنا الراديو و ذهبنا إلى النوم. في اليوم الموالي عندما التقيتا فهمنا حجم التراجيديا حيث بدأ الجميع يتحدث عن بن لادن وحركة طالبان وإمكانية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بانتقام سريع. في المساء جمعونا و طلبوا منا الرحيل لأن الحرب ستقع. لم يكونوا يريدون موت أناس أبرياء وعلى الخصوص الأجانب".
و يستمر حامد عبد الرحمن في وصف رحلة الهرب نحو الحدود الباكستانية حيث كان مع مجموعته يحملون أغراضا خفيفة في طريق طويلة و شاقة. سار خمسة أيام متواصلة بين الجبال الوعرة من دون أكل وفي طقس بالغ البرودة. كانوا يقتاتون من مساعدات القرى التي يمرون منها وينامون جنبا إلى جنب بحثا عن الدفئ.
عندما ألقى عليهم حرس الحدود الباكستاني القبض أودعوا في سجن مؤقت ثم سلموا إلى الأمريكيين وأعيدوا إلى قندهار.
يحكي حامد عن الأسئلة التي وجهها إليه الأمريكيون وكانت كلها تتعلق بأسامة بن لادن ومكان وجوده وعلاقته المفترضة به.
في بداية سنة 2002 نقل حامد إلى سجن غوانتانامو. "كانت عملية نقلنا رهيبة. قيدونا و عصبوا أعيننا وضربونا كثيرا ثم وضعونا في طائرة شحن وحلقنا لمدة عشرين ساعة من دون توقف. عرفت من خلال حرارة الجو أننا وصلنا إلى كوبا قبل أن نجد أنفسنا في أقفاص تحت أشعة الشمس الحارة وأرضية من حصى. بعد ذلك سألوني كثيرا عن أسامة بن لادن و مكان وجوده. قالو لي إنني إذا لم أتعاون معهم فلن أرى عائلتي أبدا".
ويضيف حامد "كنا نخرج من القفص خمسة عشرة دقيقة في الأسبوع, أما باقي الوقت فكنت أقضيه مثل القرد المحبوس. كانوا يغيرون أقفاصنا بكثرة وكان السجناء يتواصلون فيما بينهم بواسطة الهمس. أغلب السجانين كانوا قساة جدا. أحدهم كان يشتمنا باستمرار و يمسك في يده هراوة غليظة. أحيانا بضرب بها أصابع السجناء التي تمسك بشباك القفص. مرة أضربنا عن الطعام و استطعنا أن نحقق مطلب الحصول على نسخة من القرآن الكريم, كما استطعنا منع "أغنية لعينة" كانوا يوقظوننا بواسطتها كل صباح. في هذه المرحلة كان هناك جنرال أسمعنا كثيرا بأننا لسنا بشرا بل خنازير. هذا الجنرال ثم نقله إلى العراق بعد ذلك".
في شباط (فبراير) الماضي زارت حامد لأول مرة لجنة من الصليب الأحمر وقالوا له إنه سيتم ترحيله. "بعد ذلك رأيت طائرة تحمل العلم الإسباني وسعدت كثيرا بذلك, وعندما وصلت إلى سجن "سوطو ديل ريال" في مدريد حسبته هوليود, على الرغم من أن السجن هو السجن.
الآن يجلس حامد بين أفراد عائلته في سبتة وبتذكر تلك الأيام المريرة ويحاول نسيانها بأقصى سرعة. والده يرتعد من مرض الباركنسون وأمه تبكي في صمت. أخيرا صار ولدهما حرا.