أميمة أحمد من الجزائر:توقفت عن الصدور خمس صحف جزائرية أمس السبت ، وقد برر مديرُ مطبعة الوسط بالعاصمة رفضه لسحب تلك الصحف بعدم تسوية ديونها مع المطبعة ، فيما اعتبر الناشرون التعليق سياسيا ، لقمع حرية التعبير في الجزائر
وأوضح مديرُ مؤسسة الطباعة لوسط الجزائر عبد القادر مشاط ، " بأن تعليق الصحف الخمس يعود لأسباب مالية ، حيث لم تسدد تلك الصحف ديونها للمطبعة عن الأشهر الثلاثة الماضية وفق منطوق العقد التجاري معها ، والمطبعة لديها التزامات مالية ، ومواعيد لطباعة الكتاب المدرسي للعام الدراسي القادم ، وتأخير تسديد الديون لصحيفة مثل لوماتان ، تسحب 80 ألف نسخة ، يختلف عن صحف أخرى لا يتجاوز سحبها ستة آلاف نسخة ، مما يجعل حجم ديون لوماتان أكبر وهذا يربكنا في الوفاء بالتزاماتنا " ، وأكد مشّاط أن " المشكل ليس سياسيا ، ولا إجراءات قمعية كما يظنون ، وإنما عمل وعمل فقط ، من أجل دخول أبنائنا دخول مدرسي ناجح ، وفي ظروف طبيعية "
والصحف المتوقفة عن الصدور منذ أمس السبت ، هي الجريدة ، والجزائر ، والأحداث ، ونوفيل أكتيولتي ، ولوماتان .
وفي تصريح لرئيس تحرير لوماتان يوسف رزوق ، يرى أن المطبعة تعمل بمكيالين حينما رفضت اقتراحهم بوضع جدول زمني لتسديد الديون ، ولا تطالب بديون الصحف الأخرى ، حيث قال : " لو كانت لدى المطبعة نية لتسديد ديونها ، لقبلت باقتراحنا ، بأن ندفع نصف الديون المستحقة ، ونضع معا جدول زمني لتسيد الباقي ، خاصة وأن جريدة لو ماتان لديها بحبوحة اقتصادية ، بحجم السحب ، وصفحات الإشهار ، فلديها إمكانية الدفع ، خاصة وأن ديونها – يضيف رزوق – لا تتجاوز 40 مليون دينار جزائري ( تُعادل نحو 440 ألف دولار) لا تساوي نسبة 1% من ديون جميع الصحف الأخرى ، هنا المشكل بمكاييل التعامل مع الصحف "
وقد أصدرت صحيفةُ لوماتان بيانا ، اعتبرت فيه رفض المطبعة وضع جدول زمني لتسديد الديون ،أنه يؤكد تدخل السلطة ، ويكشف الخلفية السياسية للضغوط والعقوبات ضد خط الجريدة ، ومديرها محمد بن شيكو المسجون منذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي .
وطالبت اللجنة الوطنية لإطلاق سراح الصحفيين في بيان لها، بإطلاق سراح بن شيكو لتدهور حالته الصحية ، وقد وصفها البيان " بالخطيرة " .
ويُذكر أنه ليست المرةُ الأولى تتوقفُ فيها بعضُ الصحف المستقلة في الجزائر، وتنشأ معركة بين الصحافة المستقلة والسلطة ، باسم حرية التعبير . فقد حدث الأمر ذاته في آب ( أغسطس ) الماضي ، وكانت الجزائر تعيش على وقع حملة انتحابية مسبقة ، وغير مسبوقة استعدادا للانتخابات الرئاسية التي جرت في 8 إبريل ( نيسان ) 2004 ، فقد تم تعليق ست صحف مستقلة آنذاك منها ، لومتان ، لوسوار دالجري ، الفجر ، الرأي ، وقد اعتبر الناشرون أن موقف المطابع كان بإيعاز من السلطة ، بعدما نشرت تلك الصحف فضائح الفساد ، وقد طالت كبار المسؤولين في الدولة ، ولم ينج منها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ، بنبش دفاتره القديمة يوم كان وزيرا للخارجية ، والجديدة بعد توليه رئاسة البلاد ، وقد أثارت تلك الفضائح الرأي العام الجزائري ، ولم تتأخر أحزاب المعارضة ، وجمعيات المجتمع المدني في مساندة تلك الصحــف ، التي نشرت مـا وصفوه " بفضائح النظام " .
كان الخط الافتتاحي لتلك الصحف طرفا فاعلا بالحملة الانتخابية ، وقد ساندت أمين عام جبهة التحرير الوطني علي بن فليس مرشح الانتخابات الرئاسية ، والذي استقال من منصبه في أعقاب هزيمته مع المرشحين الأربعة الآخرين أمام منافسهم الرئيس بوتفليقة بعد فوزه العريض .
واللافت أن عهد الرئيس بوتفليقة في ولايته الأولى لم يشهد تعليق صحيفة أو سجن صحفي ، فكلُ الأحكام الصادرة بحق الصحفيين بتهم القذف والسب التي يُعاقب عليها قانون العقوبات ، كانت تُلغى بالاستئناف . وتصبح المتابعة القضائية ، والحكم أشبه بتحذير لا أكثر ( شدة أذن ) . وكانت أول مرة تُعلق ست صحف في عهد الرئيس بوتفليقة ، قبل الانتخابات الرئاسية الماضية بثمانية أشهر ، كانت مؤشرا على أن الولاية الثانية سيكون لها سياسة إعلامية مختلفة ، وقد صرح بذلك وزير الإعلام الجزائري بوجمعة هيشور في اجتماع له مع الناشرين ، ومسئولي المطابع " ينبغي على الصحفيين أن يعرفوا أن عهدا جديدا أصبح بعد 8 إبريل ، ولا أملك تعليقا على أحكام العدالة "، ردا على سجن مديرعام جريدة لوماتان محمد بن شيكو .
وقد أصدرت المحكمة أمرا بسجنه لمدة عامين نافذين ، وغرامة مالية تُقدر بمائتي ألف دولار ، وحُكيم عليه بتهمة مخالفته لقانون حركة رؤوس الأموال ، بعدما ضبط أمن المطار معه سندات مالية بقيمة 170 مليون دينار جزائري . وقبله كان الصحفي حفناوي الغول ، وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ، قد حُكم عليه بشهرين حبس نافذة وغرامة مالية بتُهمة القذف ضد والي الجلفة ثم توبع بأكثر من عشرين قضية سب ، وقذف ، والتهديد بالسلاح ضد آخرين رفعوا شكاوى بشأنها .
ويعترف الصحفيون الجزائريون أن بعضهم يقع في أخطاء مهنية ، كما صرح لإيلاف علي جري مدير عام يومية الخبر المستقلة ، لكن تصحيح الأمر- حسب اعتقاده - لا يكون بقمع الحريات ، بل بتوسيعها ، مع سيولـة المعلومة الصحيحة ، والتدريب " واعتبر التهم الموجهة ضد بن شيكو وحفناوي ملفقة تحت اسم حركة رؤوس الأموال حينا ، والقذف حينا آخر وقد نسمع بتُهمة مخالفة المرور ، نحن لسنا فوق القانون ، ولكن نُحاكم كمواطنين في قضايا الحق العام ، وليس كصحفيين ، وتُغلق الصحيفة بسبب ذلك "
معركة الصحافة المستقلة مع السلطة في الجزائر ليست وليدة ، بل تعود إلى بدء التعددية الإعلامية عام 1989 ، وأصبح مألوفا مع كل صيف معركة بلون جديد ، لكن الجوهر واحد ، فسرها المحلل السياسي الدكتور عبد العالي رزاقي ، أستاذ في كلية الإعلام في تصريح لإيلاف ، " أن معارك وراقين دار الصحافة الطاهر جاوت ، ( يقصد مقر تلك الصحف التي عادة تتعرض للتعليق ) تعكس وضعا بائسا للصحافة ، التي توالي هذا الجناح أو ذاك من أجنحة السلطة ، وتخوض معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل ، وتبتعد عن المهنية الصحفية ، بنقل المعلومة بحياد ، كحق دستوري للمواطن بالإعلام ، وهذا أمر ما زال بعيدا ، والسلطة مخطئة عندما تظن أن قمع الحريات ، وإضعاف المعارضة قوة لها ، على العكس من ذلك ، قوتها تكمن في قوة المعارضة ، وقدرة الصحافة على كشف المستور باحترافية ، وليس فضائح للتشهير بهذا الشخص أو ذاك " .
لا يبدو حسب المراقبين ، أن معارك الصحافة قد أزفت نهايتها ، بل ما زال أمامها مشوار طويل لترقى لاحترافية العمل الصحفي ، لتصبح صاحبة الجلالة السلطة الرابعة عن جدارة .